بري وميقاتي: العتمة الشاملة او عقد جلسة لمجلس الوزراء.. ضغوط من نوع آخر!
دخل ملف الكهرباء أمس على خط الاشتباك السياسي واحتمال استخدامه ذريعة، كأحد «البنود الملحّة»، من أجل الدعوة إلى عقد جديدة للحكومة بالتناغم بين رئيسي مجلس النواب والحكومة.
فبعدما كان الاتفاق بين الرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي ووزير الطاقة وليد فياض وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة قد وصل إلى خواتيمه، باستقدام 4 بواخر من الفيول لزيادة التغذية بالتيار بين أربع وخمس ساعات يومياً، فاجأ وزير المال يوسف خليل (المحسوب على بري) الجميع برفض إصدار سلفة خزينة لفتح اعتماد بقيمة 62 مليون دولار لتغطية شراء 66 ألف طن من المحروقات لزوم معامل إنتاج الكهرباء، بذريعة أن السلفة بحاجة إلى مرسوم يصدر عن مجلس الوزراء، وهو لا يخالف القانون! وهذه قد تصح أن تكون نكتة العام. فمنذ تسلّمه وزارة المال، لم يتوقف خليل عن ارتكاب المخالفات واحدة تلو أخرى، وفي مقدمها الإجازة لنفسه، بالتعاون مع سلامة، بتبديد أموال حقوق السحب الخاصة من دون مرسوم.حزب الله لا يبدو ميّالاً إلى عقد جلسة جديدة للحكومة وأبلغ ميقاتي بأن يبحث الأمر مع التيار أولاً
باختصار، لا علاقة للقانون بموقف خليل، ولا يعدو الأمر كونه ضغطاً على القوى السياسية لعقد جلسة جديدة لحكومة تصريف الأعمال. وإلا «ما عدا مما بدا»، بعدما كان ميقاتي واكب اتفاقه مع فياض على استقدام البواخر بزيارة إلى عين التينة في 12 تشرين الثاني الماضي، صرّح بعدها بـ«أنني اتفقت مع الرئيس بري على صيغة لتمويل الكهرباء». وتلت هذا اللقاء، يومها، حلحلة فورية في هيئة الشراء العام التي أطلقت مناقصة البواخر بسرعة، وبالفعل وصلت الشحنة الأولى إلى الساحل اللبناني في 15 كانون الأول الجاري قبل أن تتبعها بها شحنة أخرى. وقبل ذلك بأيام، أصدر المصرف المركزي قراراً أعلن فيه استعداده لبيع الدولارات لمؤسسة كهرباء لبنان بسعر منصة «صيرفة»، في الأول من كل شهر، مع زيادة 20% بعد إيداع المؤسسة صناديق المركزي قيمة المبلغ المطلوب بالليرة اللبنانية».
ولأن شروط العقد تنصّ على أن تفريغ الباخرة يحتاج إلى حصول الشركة الناقلة على اعتماد مستندي، طلب وزير الطاقة من وزير المال فتح الاعتماد المتفق عليه، فأتت إجابة الأخير بأن الأمر يحتاج إلى سلفة خزينة وطلب منه رفع الطلب إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء. ولأن سلفة الخزينة تحتاج إلى مرسوم صادر عن مجلس الوزراء، نصح ميقاتي وفريقه وزير الطاقة بخط رسالة يطلب فيها الموافقة على فتح اعتماد مستندي إلى حين استصدار مرسوم عند الاقتضاء، وبدا أن هذه كانت التسوية التي توافق عليها رئيسا الحكومة ومجلس النواب للحلّ. على الأثر، وقع ميقاتي قراراً بإعطاء موافقة استثنائية لإصدار سلفة خزينة تتيح فتح اعتماد مستندي لمصلحة الشركة الناقلة بقيمة 62 مليون دولار لتغطية شراء 66 ألف طن من مادة الغاز أويل. وذكر القرار أنه «يُصار لاحقاً إلى إصدار المرسوم المتعلق بهذه السلفة عند الاقتضاء وذلك تفادياً للخسائر المحتملة المترتبة عن التأخر في بواخر الشحن، وبغية تأمين ما يلزم من محروقات لزوم معامل الإنتاج، ونظراً إلى عدم وجود قانون أو اعتمادات في موازنة 2022 تتيح فتح اعتماد مستندي، على أن يعرض الموضوع لاحقاً على أول جلسة لمجلس الوزراء على سبيل التسوية».
ويعني البيان أن السراي الحكومي على علم بما سيترتب على لبنان من خسائر بفعل تأخير السلفة، وأن رئيس الحكومة موافق على هذه الآلية التي سبق أن اعتمدها وزير المال نفسه عند التصرف بحقوق السحب. علماً أن الدفع للبواخر وفق العقد لن يحصل الآن إنما بعد 6 أشهر، لكن الشركات الناقلة بحاجة إلى رسالة ضمانة أو letter of credit لتضمن دفع مستحقاتها. بناء عليه، سلّم فياض هذه الموافقة باليد إلى وزير المال الجمعة الماضي، وحتى الساعة لم يأته الجواب. إذ استمهله خليل بعض الوقت للرد عليه، أو بالأحرى لعرض الأمر على مرجعيته السياسية… ولم يأت الردّ منذذاك، ما دفع فياض إلى عقد مؤتمر صحافي أمس أعلن فيه أن العائق أمام تشغيل معامل الكهرباء هو وزارة المال. وأصدرت الأخيرة بياناً ردّت فيه بأن «تأمين المبلغ المطلوب يتطلب مرسوماً يوقّعه رئيس الحكومة والوزراء المختصون وهو ما ليس متوافراً»، وأشارت إلى أنها سترسل كتاباً اليوم إلى وزارة الطاقة يفصل كل ثغرات الملف.
في غضون ذلك، بدأت الغرامات تتراكم على لبنان نتيجة حجز الباخرتين وعدم تفريغ حمولتهما (نحو 18 ألف دولار يومياً عن كل باخرة). وعلمت «الأخبار» أن باخرتين أخريين في طريقهما إلى لبنان أيضاً ستصلان قريباً ليصل مجموع رسوم عدم التفريغ التي ستتكبدها الخزينة عن البواخر الأربع 32 ألف دولار يومياً. وبحسب المعلومات، أيضاً، ثمة باخرة خامسة أيضاً يفترض أن تغادر العراق قبل الخامس من الشهر المقبل تحمل الفيول العراقي الذي يستفيد منه لبنان حالياً ليؤمن بين ساعة وساعتي تغذية يومياً. وهذه الباخرة تتطلّب أيضاً فتح اعتماد في مصرف لبنان لهذه الغاية. وفي حال عدم حلحلة مسألة الاعتماد وسلفة الخزينة، سيكون لبنان على موعد مع العتمة الشاملة مطلع العام المقبل.
وتجدر الإشارة إلى أن إعلان ميقاتي عن إيجاد حلّ لتمويل الفيول بالاتفاق بينه وبين بري وسلامة حال دون طرح الأمر في جلسة مجلس الوزراء الأخيرة في الخامس من الجاري ضمن جدول أعمال المواد الملحة، رغم كونه من بين أكثر هموم اللبنانيين إلحاحاً.