من الجلاد الذي أردى لبنان؟
كتب ناصر زيدان في “الأنباء” الكويتية:
قال البطريرك بشارة الراعي في خطبة عيد الميلاد: إن المعطيات السياسية تؤكد وجود مخطط ضد لبنان لإحداث شغور رئاسي وفراغ دستوري، بينما الشعب يعاني من ضيق مادي ومعنوي ومن الجوع والفقر والحرمان. ويوافق على كلام البطريرك الماروني العديد من الجهات المحلية والخارجية، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي قال في حديث صحافي مؤخرا «إن بعض السياسيين اللبنانيين جنوا أموالا على حساب الشعب ويعطلون مسار الدولة ويعرقلون انتخاب رئيس، ولا حل من دون خطة إنقاذ ينفذها رئيس جمهورية نزيه ومعه رئيس للحكومة نزيه وفريق عمل فاعل».
المؤكد أن لبنان ضحية، وهو ينحدر بقوة من جهنم إلى الجحيم، من جراء عدم اتخاذ أي خطوة إنقاذية منذ بداية الأزمة قبل 3 سنوات، باستثناء إقرار قانون رفع السرية المصرفية عن حسابات العاملين في القطاع العام. وأسعار السلع زادت أكثر من 500% وفقا لتحقيق «الشركة الدولية للمعلومات» وهي تقول إن عائلة مؤلفة من 4 أفراد تحتاج إلى ما بين 20 و26 مليون ليرة لبنانية، بينما الأجور تضاعفت 3 مرات، أي أن متوسط هذه الأجور لا يزيد على 6 ملايين ليرة لبنانية، وسعر صرف الدولار الأميركي الواحد تجاوز 45 ألف ليرة، بينما كان عند إقرار الموازنة قبل شهرين بحدود 28 ألفاً.
من الجلاد الذي أردى لبنان؟
هناك عوامل خارجية ساعدت في الانهيار اللبناني، وأهمها ربطه بمسار قوى الممانعة الإقليمية، وهذه القوى التي تدور في الفلك الإيراني، ساهمت في إغراق كل الساحات المؤثرة فيها، لاسيما في العراق وسورية واليمن ولبنان.
في المقابل، هناك دول تخلت عن لبنان في أوقات صعبة للغاية، ومبررات التخلي عنه لم تكن كافية، لأن غياب هذه الدول الشقيقة والصديقة للبنان في الفترة القريبة الماضية، ساعد قوى الممانعة بالتفرد وفرض هيمنة قاتمة على البلد الجريح.
لكن المسؤولية الكبرى عن الجريمة التي ارتكبت بحق لبنان، تبقى على الأطراف التي تولت السلطة منذ أكثر من 6 سنوات، وهي فشلت في إدارة الملفات الحيوية الأساسية -لاسيما قطاع الكهرباء- وعطلت عمل المؤسسات الدستورية بحجج واهية، تنشد فيها الحفاظ على مصلحة الطائفة، ولكن الهدف منها تحقيق مآرب شخصية وفئوية. وتمدد التعطيل إلى غالبية المرافق القضائية والأمنية والمالية والإدارية، وتراجعت علاقات لبنان الخارجية الى أسفل الدرك. وتتحمل قوى التغيير جزءا من المسؤولية عن الإخفاقات، لأنها لم تراع خطورة الوضع المالي ولا هشاشة التركيبة اللبنانية التي لا تسمح بالمغامرات الانقلابية غير المحسوبة والتي تفتقر لأي برنامج.
جريمة تعطيل المؤسسات الدستورية مستمرة، وهي تستكمل بالقضاء على ما تبقى من الكيان، من خلال تعطيل انتخاب رئيس جديد للجمهورية، فصحيح أن جلسات الانتخاب تجري وفق سياق دستوري، ولكن تعطيل نصاب الجلسات في الدورات الثانية، تخفي نوايا جرمية وتآمرية، ولا يمكن معها الاعتداد بحرية قرار النائب، لأن الدستور أعطى حصانة للنائب في عمله بخدمة الشعب، وما يفعله بعض النواب بالهروب من جلسات الانتخاب وتعطيل النصاب، هو بمنزلة الخرق لمقاصد الدستور، وخيانة للأمة التي يمثلها.
قد يكون الحوار ضرورياً للوصول الى حل عقدة الفراغ الرئاسي، لكن النهج الحالي في مقاربة الأمور يهدد بزوال الكيان، وهو ما أشارت إليه مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى بربارا ليف.
حزب الله يتحمّل مسؤولية أساسية عما وصلت إليه الأوضاع، نظرا لأهمية دوره من جهة، وقياسا إلى حساباته الإقليمية التي تتعارض مع مصلحة لبنان من جهة ثانية، وهو مطالب بالفصل بين حساباته الذاتية ومصلحة اللبنانيين، وعليه مراعاة الواقع الأليم الذي يعيشه الشعب اللبناني، وعملية تأمين نصاب لجلسات انتخاب رئيس الجمهورية تقع على عاتقه، لأنه يمون على غالبية النواب الذين يغادرون الجلسة من دون أي عذر.