هل يتحضّر لبنان جيّدًا لحفظ الثروة؟
فيما تبدو الآفاق في لبنان سوداوية داكنة، على الصعد كافة، سياسيا واقتصاديا وماليا ومعيشيا، تلوح بادرة ضوء يتيمة في هذا النفق المظلم، اسمها التنقيب عن النفط والغاز. هذه الايجابية التي لم تكن متاحة لولا وساطة الترسيم التي اضطلع بها على مر الأشهر الماضية الوسيط الاميركي اموس هوكشتاين، تبدو صامدة وقد سلك الاتفاق الذي تم ابرامه بين لبنان واسرائيل، طريقه الى التنفيذ على الارض، أو “في البحر”، في شكل جدي وعمليّ.
في السياق، أفيد في الساعات الماضية ان شركة “توتال انرجي” تأمل في معرفة ما يحتويه البلوك ٩ في الجنوب من غاز في نهاية ٢٠٢٣ وفق ما قال لوران فيفيي نائب رئيس “توتال”للشرق الاوسط وشمال افريقيا. وأوضح في حديث صحافي انه بعد اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل، ستسرع “توتال انرجي” التحضيرات للبدء بحفر اول بئر تقييمية لمعرفة قدرة هذا البلوك. “فتقليديا في جميع عمليات التنقيب تجري الاعدادات على مراحل يتم الانتظار لترتيب فريق العمل ثم تجري مناقصات للحصول على المعدات التي يتم اختيارها بحسب المنصة النفطية وخصوصياتها التقنية، ولكن في لبنان سنعمل ذلك بالتوازي وليس بالمراحل، لنسرع كل الاعدادات لبدء التنقيب ونأمل ان نتمكن من معرفة ما يحتويه البلوك في نهاية 2023 “.
الى ذلك، وقعت مجموعتا “توتال انيرجيز” و”إيني” اتفاقية إطارية مع إسرائيل بشأن حقل الغاز المشترك مع لبنان. وذكر بيان أن لبنان وإسرائيل توصّلا، من خلال وساطة أميركية، إلى توقيع اتفاق في 27 تشرين الأول “لتنفيذ اتفاق الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان” الذي يضمن توزيع حقول الغاز البحرية القيّمة في شرق البحر المتوسط ويخفف التوتر في المنطقة. وتشمل هذه الحقول البلوك 9 حيث ستتمكن المجموعتان من الحفر “في مساحة تمّ تحديدها وقد تمتدّ إلى البلوك 9 والمياه الإسرائيلية جنوبي الحدود البحرية التي تم تحديدها مؤخرًا”. وقسّم لبنان المنطقة الاقتصادية الخالصة إلى عشر مربعات والبلوك 9 يشكّل جزءًا من المنطقة المتنازع عليها مع إسرائيل. ولفتت المجموعة الفرنسية إلى أنها “مشغّلة منطقة الاستكشاف في البلوك 9 في لبنان وأنها تملك 60% من حصة المشاركة فيه إلى جانب شريكتها مجموعة إيني (40%)” الايطالية. وقال المدير العام لمجموعة “توتال إنيرجيز” باتريك بوياني في بيان “سنستجيب لطلب البلدَين لتقييم الأهمية المادية للموارد الهيدروكربونية وإمكانياتها الإنتاجية في هذه المنطقة”.
هذه المعطيات كلّها، تؤكد وفق ما تقول مصادر دبلوماسية لـ”المركزية”، جديّة الشركات العالمية وحماستها للتنقيب في الحقول اللبنانية والاسرائيلية، وهي تُظهر ايضا ان الاميركيين والعواصم الكبرى، أمّنوا غطاء قويا متينا للاتفاق وللشركات ولعملية الحفر والاستخراج، بحيث بات عصيا على الكسر لا سياسيا (اي ان رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو لن يمكنه الوقوف في وجهه او عرقلته) ولا عسكريا (اي ان حزب الله، المهلل للتفاهم، لن يتمكن ايضا من تعريض المنصات لاي خطر او تهديد).
امام الامر الواقع المشجّع هذا، تتابع المصادر، يبقى ان على اللبنانيين ان يواكبوا الاستنفار “التنقيبي” كما يجب، ليستفيدوا من الثروات الآتية (وقد قال هوكشتاين: شركات الغاز ستبدأ العمل وسيتدفق الاستثمار الأجنبي إلى لبنان لتعزيز ازدهاره) ولا يبددوها كما فعلت المنظومات الحاكمة بمليارات الاموال، في السنوات المنصرمة. فهل سيتم اقرار الصندوق السيادي مثلا لحماية الثروة المفترضة، وقد بدأت لجنة المال بدرسه اليوم؟ وهل سيتم اختيار الوزراء الكفؤ النظيفي الكف للإشراف على هذه العملية كلّها؟ ام سيتم اعتماد معايير المحسوبيات والزبائنية التي اعتمدتها القوى السياسية الحاكمة طوال الفترة السابقة؟ فلننتظر ونر، تختم المصادر.