محلياتمن الصحافة

سحقًا للأوسمة وسحقًا لكم

أكتب هذا المقال، وأنا في مكانٍ ما تحت هذه الشمس، في عشيّات هذا الشهر الخريفيّ الذي أتحرّق شوقًا إلى انتهاء أيّامه الجحيميّة بعد ستّة أعوامٍ متواصلة من الكوابيس والفجائع والخسارات والمرارات، هي خلاصة “تفاهمٍ مشؤوم” و”عهدٍ” رئاسيٍّ مضفورٍ باللعنات، لن أغفر لأحدٍ من الذين ساهموا قصدًا أو عفوًا في توقيع الأوّل، وفي تأمين إيصال الثاني إلى سدّة الحكم.

إنّي فقط أشعر بالمهانة، أيّها الناس. بل أشعر بالتقزّز المفضي إلى ما يشبه الموت. حتّى ليمكنني اختصار ما أنا فيه من خزيٍ وعار بالقول إنّ أكثر ما أستحي به على مدى عمري هو كون هذا “التفاهم”، وهذا “العهد”، ورجالهما، بل أيضًا جملة العصابات والمافيات التي تستولي على لبنان، وتحكمه، وتنهب خيراته، وتتناوب على انتهاك حرماته وكراماته، وتدمّر دستوره وقانونه ومؤسّساته، يقاسمونني الجنسيّة اللبنانيّة.

لا فجيعة أفظع من كون لبنان في أيديهم وتحت أضراسهم الهمجيّة. لا فجيعة أفظع من كوني أتقاسم الانتماء ذاته مع هؤلاء، حتّى لأصرخ بصوتٍ مدوٍّ: بئس كوني لبنانيًّا لأنّ هؤلاء “لبنانيّون”!

لا يسعني وأنا أقف أمام هذا المسرح اللّامعقول، إلّا أنْ أنظر إلى أسراب هؤلاء اللواتي والذين يتلقّون أوسمة الجمهوريّة اللبنانيّة، كائنين مَن كانوا، مستحقّين أم غير مستحقّين، مزهوًّا بنفسي لأنّ صدري سيبقى خاليًا (الآن ودائمًا وبكلّ اعتزاز) من أيّ وسامٍ سوى وسام كرامتي الشخصيّة ووسام كرامتي الإنسانيّة ووسام كرامتي الوطنيّة. مشفقًا على ما آلت إليه أحوال الجمهوريّة من رخصٍ وإسفافٍ وانحطاطٍ وقحطٍ، حتّى باتت الأوسمة تُمنَح بالكيلو، ولِمَن كان، حالها كحال عملتنا الوطنيّة التي بات المواطن مضطرًّا، إذا أراد أنْ يشتري برّادًا – على سبيل المثل – أنْ يحملها بالشوالات (الشوال، لمَن لا يعرف المعنى، هو كيسٌ ضخم من خيطان القنّب يوضع فيه القمح أو الشعير أو الطحين لتحميله ونقله).
ليست المسألة مسألة أوسمة، ولا مسألة مانحٍ وممنوح، بل مسألة جمهوريّةٍ مهيضةٍ، مكسورة الجناح، مطأطئة الرأس، ذليلة، مهانة، مدعوسة وممرّغة، على يد زمنٍ (سياسيٍّ) سافلٍ. وناسٍ سفلة، لم يكن مَن انبرى للمواجهة (والتغيير) على قدْر الأمال المعقودة إليهم.
كلّكم صغار.
إنّه الثامن والعشرون من تشرين الأوّل 2022. بقي من هذا الشهر ثلاثة أيّام (بنهاراتها ولياليها)، ومثله بقي من أيّام هذا “العهد” المشؤوم الذي لن يرحل قبل أنْ يُتِمّ ما نذر نفسه لتحقيقه من “رؤى” الكيد والحقد والكره والضغينة والفساد والخراب والموت والفقر والجوع واليأس وسوء المصير.
أهو شغورٌ في الكرسيّ والجالس عليه؟ ليت اللعنة تتوقّف عند هذا الحدّ. بل ليته لم يكن ثمّة كرسيٌّ ولا ثمّة مَن يجب أنْ يجلس عليه و… يطمح إليه!

ما لم يعِ النوّاب، كلّ النوّاب، ولا سيّما منهم الذين رُفعوا إلى محراب “سيّد نفسه” بأصوات ثورة ١٧ تشرين، جسامة المسؤوليّة التاريخيّة الملقاة على عاتقهم، وما لم يتحلّوا ببعد النظر والحكمة والشجاعة، وما لم يتحرّروا من عقد النقص، ويتخلّوا عن الحسابات الصغيرة، والأوهام، وأضغاث الأحلام، ويوقفوا مهازل التخبّط والهرب إلى الأمام وحرق أسماء المرشّحين، فمن المستحيل الإتيان برئيسٍ سياديٍّ واصلاحيّ.
مرة أخرى، أحذّر جميع القوى والنوّاب هؤلاء، من أن “العقل المدبّر” الذي يدير في الخفاء المعلن كلّ هذه “اللعبة” الوسخة، سيضرب ضربته القاضية في الوقت المناسب، للإتيان برئيس يكون لعبةً بل خاتمًا في أيدي السماسرة والمحتلّين.
هي البلاد شاغرة، والحياة شاغرة، ولبنان شاغر، تيمّنًا بعنوان ديوانٍ شعريٍّ (الهواء الشاغر) لصديقي الشاعر.
حرام لبنان، أيّها العالم. حرام. سحقًا للأوسمة. وسحقًا لكم.

Related Articles

Back to top button