تمديد سن تقاعد القادة العسكريين من ألفه الى يائه!
شهدت بعض الصالونات نقاشاً حول اقتراح قانون تقدّم به نواب «كتلة اللقاء الديمقراطي» يتحدث عن التمديد عامين للقادة العسكريين، وكأنه سابقة تاريخية بعدما اعتاد منذ عقدين ونصف موجات التمديد على اعلى المستويات. وفات بعض المنتقدين انّ البلاد مقبلة على مرحلة من الشغور الرئاسي ان لم ينتخب الرئيس او تشكيل حكومة لمقاربة الاستحقاقات المقبلة. وعليه، لماذا وضع هذا الاقتراح واسبابه الموجبة؟ وكيف انطلقت الفكرة من ألفها الى يائها؟
منذ فترة طويلة وعلى هامش الاستعدادات التي كانت جارية للبحث في بعض التعيينات والتشكيلات الضرورية في عدد من الاسلاك العسكرية والامنية كما القضائية والادارية، ظهرت بعض التحفظات. فالعهد الى أفول، وانّ المَس ببعض المواقع يتناقض مع مبدأ ثابت لا نقاش فيه في الكثير من المحطات الهامة وخصوصاً عندما يتصل الامر بالمواقع الحساسة على ابواب استحقاقات كبرى، سواء تلك التي دخلتها البلاد كملف ترسيم الحدود البحرية ونظيراته القضائية والمالية والامنية العالقة على اكثر من مستوى.
وعلى قاعدة انه ما من عاقل أينما وجد في موقع المقرر ان يتجاهل اهمية المثل القائل «لا يجوز ان تستبدل الاحصنة عندما تكون القافلة وسط النهر»، ظهرت معضلة تعيين بديل من رئيس الاركان في الجيش اللبناني العميد امين العرم الذي سيُحال الى التقاعد الشهر المقبل في مرحلة دقيقة تعيش فيها المؤسسة العسكرية مرحلة دقيقة للغاية وفي ظرف فَضّل فيه من اختاره للموقع الذي هو فيه، اي رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، عدم البحث بالبديل قبل نهاية العهد بانتظار الوقت المناسب الذي يقترب من موعد إحالته إلى التقاعد.
وانطلاقاً من هذا الطرح الذي أثار مجموعة من الملاحظات السلبية التي استبعدته لصعوبة تأمين الإجماع على خطوة مجتزأة، خصوصا ان هناك اوضاعا مماثلة تطال مواقع عدة في المؤسسات العسكرية والامنية كما المالية والادارية واستحالة تطبيقها في موقع واحد ايّاً كانت الظروف التي تحتّم مثل هذا الإجراء. ومن هنا – وعلى خلفية اقتراح تقدّم به احدهم – توسّعت رقعة المشاورات بحثا عن حالات مشابهة/ وفي ظل جَو من التكتم، وبتعاون غير مسبوق بين معظم القوى السياسية والكتل النيابية حتى تلك التي لم تلتق على اي موقف من المستجدات والتطورات السياسية المفتوحة على شتى الاحتمالات، وهو ما أنتجَ توافقا واسعا بعدما ظهرت حالات عدة يمكن ان تجمع بدل ان تفرّق حتى بين الاضداد، الى ان طالت الفكرة مؤسسات اخرى أمنية وغير امنية.
تزامناً مع ورشة الاتصالات التي جرت بين أكثر من موقع من المختارة الى بعبدا وعين التينة والسرايا الكبير وما بينهما من مواقع برزت الحاجة الى اقتراح قانون يؤدي الغاية من المشروع، كان الحزب التقدمي حاضرا، فقد سبق لكل من النائبين في كتلة اللقاء الديموقراطي بلال عبد الله وهادي أبو الحسن ان وضعَ مسودة مشروع اقتراح لهذه الغاية، فجالَ النص المقترح على بعض الاطراف المعنية والمستفيدة من تَوسّع بيكار الاتصالات بطريقة تؤدي الى توفير الاكثرية النيابية المطلوبة التي يحتاجها اي اقتراح قانون عادي للبَت به وإقراره في المجلس النيابي، خصوصاً ان المجلس كان قد أنهى جلسته التشريعية الاخيرة قبل إنجازه. وعندما طرح الصوت كان الجواب ايجابيا من عين التينة، حيث أكد الرئيس نبيه بري ان هناك مجالاً بعد لعقد جلسة نيابية تشريعية قبل دخول المجلس النيابي مدار الأيام العشرة الأخيرة قبل نهاية الولاية الدستورية لانتخاب الرئيس حيث يفتقد القدرة على التشريع، فكان هناك وقت كاف للبَت به وتقدّم به النائبان الى الامانة العامة لمجلس النواب قبل أيام قليلة من المهلة التي تنتهي في 21 الجاري.
قال اقتراح القانون الذي رفع بصورة «معجل مكرّر» بـ»تأجيل تسريح وتمديد سن التقاعد لمديرين عامّين وضباط عامّين في الجيش والقوى الأمنية خلافاً لأي نص آخر، وبصورة استثنائية». كما قال بـ»تأجيل تسريح الضباط العامّين في الجيش والقوى الأمنية الأخرى» والمقصود بهم «القادة الأمنيين في القوى والأسلاك العسكرية والأمنية، ورئيس الأركان والمدير العام للإدارة والمفتش العام في الجيش وأعضاء مجلس القيادة في كل من المديرية العامة للأمن الداخلي والأمن العام». وهم جميعهم ممّن «سيُحالون على التقاعد لبلوغهم السن القانونية خلال العامين 2022-2023، وسبق أن تمّ تعيينهم بموجب مراسيم متّخذة في مجلس الوزراء أو بموجب مراسيم عادية بالأصالة أو بالوكالة، في المراكز التي يشغلونها لمدة سنتين من تاريخ سريان هذا القانون» على ان يعمل به «اعتباراً من تاريخ 18/10/2022» عشيّة تاريخ انعقاد الجلسة التشريعية في التاسع عشر من الجاري وقبل يوم واحد على الجلسة الانتخابية في العشرين منه.
وقالت الأسباب الموجبة، انه ولمّا كان تعيين القادة الأمنيين في القوى والأسلاك العسكرية والأمنية «يتم وفقاً للقوانين التالية: المرسوم الاشتراعي رقم 102 / 1983 من قانون الدفاع الوطني، والقانون رقم 17 / 1990 من قانون تنظيم المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، والمرسوم الاشتراعي رقم 139 / 1959 من قانون تنظيم المديرية العامة للأمن العام. ولمّا كانت الآلية المتّبعة لتعيين هؤلاء القادة «تتم بموجب مراسيم تتخذ في مجلس الوزراء أو بموجب مراسيم عادية سنداً للقوانين السالفة الذكر». ولمّا كان بعض هؤلاء المعنيين بالاقتراح «يشغلون مراكز هامة وحسّاسة فاعلة في اتخاذ القرارات في المراكز التي يشغلونها سيُحالون على التقاعد لبلوغهم السن القانونية خلال العامين 2022-2023 وعدم تعيين خلفاً لهم ما يؤدي الى حصول شغور في بعض تلك الوظائف».
واضافت الاسباب الموجبة: «المصلحة الوطنية العليا تقتضي بطبيعة الحال الحفاظ على استمرارية المرفق العام العسكري والأمني الذي يشكّل حاجة ملحَّة وضرورية للمحافظة على الأمن في ظل الأوضاع الراهنة واستمرار التهديدات الإرهابية». ولمّا كان قانون الدفاع الوطني، لا سيما المادة 55 منه، تسمح بتأجيل تسريح المتطوّع ولو بلغ السن القانونية في حالات الحرب وإعلان حالة الطوارئ أو اثناء تكليف الجيش المحافظة على الامن، وهذا الأمر يمكن أن ينسحب على الأجهزة الأمنية الأخرى. ولمّا كانت البلاد تمر في ظروف استثنائية على الصُعد كافة، ولمّا كان المجلس النيابي هو مصدر السلطات، وسنداً لأحكام المادة 117 من نظامه الداخلي»، جرى التقدّم بالاقتراح آملين من المجلس «مناقشته وإقراره انسجاماً مع متطلبات المرحلة الراهنة والمقبلة التي تفرض تطوير وتفعيل دور الأجهزة العسكرية والأمنية في الحفاظ على الاستقرار الأمني…».
عند هذه الحدود بات الامر رهناً بما ستشهده جلسة الغد التشريعية الاخيرة قبل نهاية العهد للبَت بمشروع الاقتراح هذا ضامناً التمديد لمجموعة من الضباط في مواقع عدة تحسّباً لأي طارىء. ففي فترة الشغور السابقة بين العامين 2014 و2016 كانت البلاد في عهدة القادة العسكريين سنداً لحكومة ضمّت «24 رئيسا للجمهورية»، ولولاهم لما استَتبّ الأمن السياسي والأمني طيلة تلك الفترة من الشغور الرئاسي. فماذا لو تكررت التجربة هذه المرة و»عجزت المؤسسات الدستورية عن تسوية أوضاعهم وتعيين البدائل منهم ؟.