محليات

باريس تتحرّك رئاسيّاً لـ”رفع العتب”… ونصيحة للّبنانيّين

الزيارة الخاطفة التي قامت بها وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا، للبنان، تأتي في سياق التأكيد على الحضور الفرنسي، كما يقول مصدر سياسي بارز لـ«الشرق الأوسط»، من باب رفع العتب، وتكاد تكون زيارتها نسخة طبق الأصل من الزيارة التي قام بها سابقاً لبيروت الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية السفير حسام زكي، والتي لم تخرج عن طابع الاستعلام عن الأسباب الكامنة وراء تعذّر انتخاب رئيس، من دون أن يتمكن من فتح ثغرة في الحائط المسدود الذي لا يزال يعوق انتخابه.

وكشف المصدر السياسي، أن الوزيرة الفرنسية لم تركّز على مسألة ضرورة تشكيل حكومة كاملة الأوصاف، بحسب ما ورد في البيان الذي صدر عن السفارة الفرنسية في بيروت، وقال إنها طرحتها على هامش جدول أعمالها الذي ركّزت فيه على اختيار رئيس يستطيع أن يرأس الشعب اللبناني، ويعمل مع اللاعبين الدوليين والإقليميين لتخطي الأزمة المالية لضمان أمن وسلامة لبنان.

ولفت إلى أن اجتماعها برئيس المجلس النيابي نبيه بري، تمحور حول ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية ضمن المهلة الدستورية، ووجوب تحقيق الإصلاحات المطلوبة للعبور بالبلد إلى الإنقاذ. وأكد أنها أبدت ارتياحها للوصول إلى اتفاق غير مباشر بين لبنان وإسرائيل لترسيم الحدود البحرية بوساطة أميركية، وتمنّت لو أن هذا الاتفاق ينسحب على اتفاق اللبنانيين لتسهيل انتخاب رئيس في موعده.

وقال إن الوزيرة كولونا استمعت إلى شرح مفصّل من رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي (الموجود حالياً في الأردن)، بيّن فيه العراقيل التي حالت دون تعويم الحكومة، في مقابل عرض مماثل تقدّم به عون، وإنما من موقع الاختلاف. ولم يستبعد المصدر السياسي أن تكون الوزيرة الفرنسية قد أصغت إلى ما عرضه ميقاتي، وإلا لما بادرت في مؤتمرها الصحافي الذي عقدته في مطار «رفيق الحريري الدولي» قبل مغادرتها بيروت إلى باريس، إلى ربط تشكيل الحكومة الجديدة بانتخاب الرئيس، بقولها إن بعد انتخابه ستكون في المستقبل حكومة تمارس عملها بالكامل.

وفي هذا السياق، اعتبر المصدر السياسي أن ضيق الوقت لم يعد يسمح بتعويم الحكومة، مع وقوف البلد على مشارف الدخول في الأيام العشرة الأخيرة من انتهاء ولاية عون التي تُبقي على المجلس النيابي في حال انعقاد دائم إلى حين انتخاب الرئيس، ومن ثم لا يحق له في خلال هذه المهلة القيام بأي عمل آخر. وقال إن البرلمان يتحوّل إلى هيئة ناخبة بدءاً من الجلسة المقررة الخميس المقبل، على أن تسبقها جلسة تُعقد غداً (الثلاثاء) مع بدء العقد العادي للبرلمان، وتخصص بالدرجة الأولى لانتخاب أعضاء هيئة مكتب المجلس واللجان النيابية.

وأكد أن المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، أوقف وساطته بين عون وميقاتي لتعويم الحكومة، وهو يتفرّغ حالياً لإعادة دُفعة من النازحين السوريين بناءً لطلبهم إلى بلدهم، وينتظر الأجوبة السورية للبت في إعادتهم على عجل، وقال إن «حزب الله» لم يوقف وساطته، ويضغط حالياً لتهيئة الأجواء أمام تعويمها، مع أن عامل الوقت لم يعد يسمح بذلك، إلا إذا بقي التعويم تحت سقف الشروط التي وضعها ميقاتي، على أن يصار للإعلان عنها من دون أن تنال ثقة البرلمان.

واعتبر المصدر نفسه أن تعويم الحكومة يصطدم بشروط وضعها عون استجابة لرغبة وريثه السياسي رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، وقال إنه يتطلّع من خلال تعويمها إلى إعادة تشكيلها بضم 6 وزراء دولة من السياسيين، واستبدال وزراء جدد بالعدد الأكبر من الوزراء المحسوبين عليه، بذريعة انحيازهم لميقاتي.

ولفت إلى أن مجرد مطالبة عون بتوسيع الحكومة الحالية، يعني أنه يصرّ على تغيير المعادلة السياسية بداخل حكومة تصريف الأعمال، مما يؤدي إلى الإخلال بالتوازنات السياسية، وهذا ما لا يوافق عليه ميقاتي والقوى الداعمة له، خصوصاً أن المجتمع الدولي ومعه العدد الأكبر من القيادات السياسية لم يعد يجد من مبرر لتعويم الحكومة؛ لأن مجرد توسيعها يعني حكماً أن لبنان سيدخل في شغور رئاسي مديد، وأن مهمة الحكومة إدارة هذا الشغور.

كما أن إمكانية تعويم الحكومة أصبحت من الماضي؛ لأنه لا يمكن في ظل ضيق الوقت، بحسب المصدر السياسي، العمل على توسيعها، فيما جسور التواصل في هذا الخصوص مقطوعة بين عون وميقاتي، وبين الأخير وباسيل، وأن اجتماعهما الأخير في بعبدا لم يتطرق إلى تعويمها، وبقي محصوراً في الاحتفالية التي سبقت الإعلان عن التوصل إلى اتفاق غير مباشر لترسيم الحدود البحرية اللبنانية – الإسرائيلية، مع أن عون أصر على تجيير الإنجاز لمصلحته بالتكافل والتضامن مع صهره باسيل، وهذا ما لقي اعتراضاً ولو بقي صامتاً من قبل رئيسي البرلمان والحكومة، على خلفية إصراره على احتكار إنجازه لهذا الاتفاق بوساطة أميركية.

ورأى المصدر أن زيارة الوزيرة الفرنسية تبقى في حدود التضامن، وتأتي في سياق اجتماعها الوداعي مع عون، من دون أن يكون لها من مفاعيل سياسية باستثناء دعوتها له بالتروّي، وعدم السماح بتعكير خروجه من بعبدا فور انتهاء ولايته إلى منزله العائلي؛ لأن هناك ضرورة للحفاظ على الطابع السلمي لانتقاله، بذريعة أن البلد لا يحتمل تعريضه إلى اهتزازات، أكانت سياسية أم أمنية، أو إلى مزيد من الاحتقان إذا ما اتسم بطابع مذهبي وطائفي.

ويبقى السؤال: هل يأخذ باسيل بنصائح الوزيرة الفرنسية، أو أنه من خلال مواقفه التحريضية يستعد لإدخال البلد في دورة من التصعيد السياسي، باتهام ميقاتي بمصادرة صلاحيات رئيس الجمهورية، وصولاً لوضع يده على البلد، اعتقاداً منه بأنه بمواقفه الشعبوية يستطيع أن يشدّ عصب محازبيه وجمهوره؟

وينسحب السؤال أيضاً على الأسباب التي أملت عليه استثناء حليفه «حزب الله» وتحييده من الاتهامات التي وزّعها على جميع الأطراف الذين هم على خلاف معه، لا بل الإشادة به رغم أنه كان انتقده في أكثر من محطة سياسية بذريعة عدم مشاركته في الحملات التي قادها لمكافحة الفساد.

فباسيل يستقوي بفائض القوة التي يتمتع بها «حزب الله»، وأنه بتهديده بالترشّح لرئاسة الجمهورية يهدف إلى إعادة خلط الأوراق بوضع مجموعة شروط لا تنطبق على حليفه اللدود زعيم تيار «المردة»، ويهدف من خلالها إلى رفع سعره السياسي الذي يتيح له الجلوس على طاولة الناخبين الكبار، وصولاً للحصول على ضمانات من «حزب الله» تسمح له بالبحث عن مرشح بديل، يفترض من وجهة نظره أن يشكّل امتداداً لعون.

لذلك، فإن باسيل سيواجه صعوبة في قبض ثمن سياسي لتلميع صورته من خلال الدور الذي نُسب له بتسهيل الوصول إلى اتفاق لترسيم الحدود البحرية باعتراف «حزب الله» الذي لم يبادر للتعليق على كل ما قيل حول دور حليفه في توفير الدعم للوسيط الأميركي في المهمة التي أنجزها من دون أن يربطها برفع العقوبات الأميركية المفروضة عليه.

وعليه، يسعى باسيل لتنظيم حملات من الاحتجاج ضد ميقاتي بذريعة أنه يحرج خصومه في الشارع المسيحي الذين يلوذون بالصمت حيال اتهامه بمصادرة صلاحيات رئيس الجمهورية، ظناً منه أنه يستطيع تعويم نفسه لوراثة الحالة الشعبية التي احتضنت عون قبل إخراجه من بعبدا في 13 أكتوبر 1990، مع أن الظروف السياسية تبدّلت ولم يعد له من حليف سوى «حزب الله»، يتبادلان الخدمات السياسية انطلاقاً من حاجة أحدهما للآخر، بغياب الحليف المسيحي للحزب البديل عن «التيار الوطني».

وأخيراً، هل يتوخّى باسيل من تكبير حجره الاحتجاجي التهويل على ميقاتي وابتزازه من جهة، وتسويق نفسه دولياً وإقليمياً كشرط للإفراج عن الاستحقاق الرئاسي مع دخول البلد في شغور رئاسي، مع أن القرار في هذا الشأن يبقى إيرانياً وخاضعاً لحسابات طهران؟ وماذا سيكون رد فعله في حال أعيد خلط الأوراق ترشّحاً، وبرز اسم قائد الجيش العماد جوزف عون؟ وهل يستطيع السيطرة على قاعدته الشعبية التي تدين في أكثريتها بالولاء للبزّة العسكرية المرقّطة؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى