زيادة الدولار الجمركي 13 ضعفاً: إلى مزيد من التضخم
كتبت ندى أيّوب في “الأخبار”:
من دون عناء الإقناع، سار الوزراء وراء رغبة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في رفع الدولار الجمركي ما روّج له بأن لا تداعيات خطيرة لهذه الزيادة. ووافقوا على اعتماد سعر صرف يبلغ 20 ألف ليرة لتخمين سعر السلع المستوردة، أي بزيادة 13 ضعفاً. وبحسب معلومات «الأخبار»، فإن رئاسة الحكومة سترسل صباح اليوم كتاباً إلى وزير المال من أجل تحديد سعر الدولار الجمركي عطفاً على المداولات التي أجريت في الاجتماع الوزاري.
يشير الخبير الاقتصادي وليد سليمان إلى أن هذه الضريبة «تزيد من تشوّهات الاقتصاد» لأنها «تكرّس الفوضى النقدية بتعدّدية أسعار الصرف، وتعرقل استقامة الأوضاع اقتصادياً. فضلاً عن أن تحديد سعر الدولار الجمركي لم يستند إلى معايير علمية، ولا يكرّس العدالة الاجتماعية، طالما أن سعر الجباية (20 ألف)، وسعر سحب الودائع المصرفية على سبيل المثال (8000 ليرة/ للدولار)».
الهدف الوحيد لقوى السلطة يكمن في زيادة إيرادات الخزينة المفلسة عبر فرض ضرائب ورسوم جديدة وشمولية بطبيعتها. لذا، لم يناقش الأمر من باب الرؤية الشاملة للاقتصاد والأهداف المتوخاة من زيادة الدولار الجمركي في سياق ترتيب شامل لأوضاع الاقتصاد والمجتمع. غير أن سليمان يعتقد أنه في أوقات الأزمات «لا يتم اللجوء إلى هذا النوع من الضرائب التي تؤدي إلى تراجع الاستهلاك وبالتالي إلى مزيد من الانكماش الاقتصادي، واحتمال عدم بلوغ الواردات الحد المتوقّع من السلطة». هذا النقاش الحقيقي حول توحيد أسعار الصرف، وآثار الخطوة لما تشكّله من ضغوطٍ تضخمية، غاب عن الاجتماع الوزاري الذي عقد أول من أمس. كما سقطت من حسابات السلطة المركزية أهمية خلق التوازنات الاقتصادية المناسبة بتوحيد سعر الصرف، وأبقت على أسعار مختلفة تناسب كل كارتيل في القطاعات المختلفة من دون التفكير بما هو سعر الدولار الأنسب للمستهلك. فالإبقاء على تعددية أسعار الصرف، يعني البقاء ضمن مدار الأزمة الواسع في مسار انحداري لا قعر له ويقع تحت سيطرة مصرف لبنان الذي يغرق الأسواق بضخ المزيد من السيولة مغذياً بذلك تضخّم الأسعار ضمن حلقة مفرغة لا تنتهي من ارتفاع الأسعار وارتفاع سعر الصرف.
غرق السلطة المركزية في السياق الخاطئ لدراسة رفع «الدولار الجمركي»، نسف دوره كأداةٍ تستخدم لمعرفة ما هي السلع التي لا يمكن التوقّف عن استيرادها، وتلك التي يجب التخفيف من استيرادها أو منع استيرادها بالمطلق. وهذا الدور يعدّ محورياً في ظل الأزمة الراهنة، إذ إن تقييد عمليات الاستيراد من خلال الدولار الجمركي لكبح الطلب على الدولار أمر ممكن إلى جانب تقييد العمليات المالية، وهو ما يخلق فسحة مالية للحكومة من أجل التحرّك في اتجاه تطبيق إصلاحات أكثر. لكن الواضح أن الهدف مختلف تماماً، وهو ما يعني أن التداعيات ستكون كارثة على النشاط الاقتصادي. ففي ظلّ طبيعة النمط التجاري السائد في البلد من هيمنة للاحتكارات، سيتمثّل الانعكاس المباشر لزيادة «الدولار الجمركي»، برأي رئيس جمعية حماية المستهلك زهير برو بـ«شمول الزيادة كافة القطاعات من دون استثناء، ويخلق فرصة للتجار لمراكمة الثروات». ولا شكّ بأن تجار الأزمات سيستفيدون من حالة عدم الاستقرار والفوضى، وسط توقعات بأن «يجعلوا تأثير الزيادة على المستهلكين أضعاف ما أقرّته السلطة من خلال التسعير العشوائي للسلع». تعميق الأزمة وزيادة الفقر والانهيار الإضافي للقدرة الشرائية، ستشكّل أبرز التداعيات الاجتماعية لرفع «الدولار الجمركي» بهذا الشكل، وفق برو.
الأكــــــثــــــر قــــــراءة
زيادة الدولار الجمركي 13 ضعفاً: إلى مزيد من التضخم
كتبت ندى أيّوب في “الأخبار”:
من دون عناء الإقناع، سار الوزراء وراء رغبة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في رفع الدولار الجمركي ما روّج له بأن لا تداعيات خطيرة لهذه الزيادة. ووافقوا على اعتماد سعر صرف يبلغ 20 ألف ليرة لتخمين سعر السلع المستوردة، أي بزيادة 13 ضعفاً. وبحسب معلومات «الأخبار»، فإن رئاسة الحكومة سترسل صباح اليوم كتاباً إلى وزير المال من أجل تحديد سعر الدولار الجمركي عطفاً على المداولات التي أجريت في الاجتماع الوزاري.
يشير الخبير الاقتصادي وليد سليمان إلى أن هذه الضريبة «تزيد من تشوّهات الاقتصاد» لأنها «تكرّس الفوضى النقدية بتعدّدية أسعار الصرف، وتعرقل استقامة الأوضاع اقتصادياً. فضلاً عن أن تحديد سعر الدولار الجمركي لم يستند إلى معايير علمية، ولا يكرّس العدالة الاجتماعية، طالما أن سعر الجباية (20 ألف)، وسعر سحب الودائع المصرفية على سبيل المثال (8000 ليرة/ للدولار)».
الهدف الوحيد لقوى السلطة يكمن في زيادة إيرادات الخزينة المفلسة عبر فرض ضرائب ورسوم جديدة وشمولية بطبيعتها. لذا، لم يناقش الأمر من باب الرؤية الشاملة للاقتصاد والأهداف المتوخاة من زيادة الدولار الجمركي في سياق ترتيب شامل لأوضاع الاقتصاد والمجتمع. غير أن سليمان يعتقد أنه في أوقات الأزمات «لا يتم اللجوء إلى هذا النوع من الضرائب التي تؤدي إلى تراجع الاستهلاك وبالتالي إلى مزيد من الانكماش الاقتصادي، واحتمال عدم بلوغ الواردات الحد المتوقّع من السلطة». هذا النقاش الحقيقي حول توحيد أسعار الصرف، وآثار الخطوة لما تشكّله من ضغوطٍ تضخمية، غاب عن الاجتماع الوزاري الذي عقد أول من أمس. كما سقطت من حسابات السلطة المركزية أهمية خلق التوازنات الاقتصادية المناسبة بتوحيد سعر الصرف، وأبقت على أسعار مختلفة تناسب كل كارتيل في القطاعات المختلفة من دون التفكير بما هو سعر الدولار الأنسب للمستهلك. فالإبقاء على تعددية أسعار الصرف، يعني البقاء ضمن مدار الأزمة الواسع في مسار انحداري لا قعر له ويقع تحت سيطرة مصرف لبنان الذي يغرق الأسواق بضخ المزيد من السيولة مغذياً بذلك تضخّم الأسعار ضمن حلقة مفرغة لا تنتهي من ارتفاع الأسعار وارتفاع سعر الصرف.
غرق السلطة المركزية في السياق الخاطئ لدراسة رفع «الدولار الجمركي»، نسف دوره كأداةٍ تستخدم لمعرفة ما هي السلع التي لا يمكن التوقّف عن استيرادها، وتلك التي يجب التخفيف من استيرادها أو منع استيرادها بالمطلق. وهذا الدور يعدّ محورياً في ظل الأزمة الراهنة، إذ إن تقييد عمليات الاستيراد من خلال الدولار الجمركي لكبح الطلب على الدولار أمر ممكن إلى جانب تقييد العمليات المالية، وهو ما يخلق فسحة مالية للحكومة من أجل التحرّك في اتجاه تطبيق إصلاحات أكثر. لكن الواضح أن الهدف مختلف تماماً، وهو ما يعني أن التداعيات ستكون كارثة على النشاط الاقتصادي. ففي ظلّ طبيعة النمط التجاري السائد في البلد من هيمنة للاحتكارات، سيتمثّل الانعكاس المباشر لزيادة «الدولار الجمركي»، برأي رئيس جمعية حماية المستهلك زهير برو بـ«شمول الزيادة كافة القطاعات من دون استثناء، ويخلق فرصة للتجار لمراكمة الثروات». ولا شكّ بأن تجار الأزمات سيستفيدون من حالة عدم الاستقرار والفوضى، وسط توقعات بأن «يجعلوا تأثير الزيادة على المستهلكين أضعاف ما أقرّته السلطة من خلال التسعير العشوائي للسلع». تعميق الأزمة وزيادة الفقر والانهيار الإضافي للقدرة الشرائية، ستشكّل أبرز التداعيات الاجتماعية لرفع «الدولار الجمركي» بهذا الشكل، وفق برو.
إذاً، هل ينفذ القرار المتّخذ في الاجتماع الوزاري فوراً؟ دواعي السؤال أن النقاش كان يتمحور حول آلية الإقرار سواء بقرار من وزير المال وحاكم مصرف لبنان، أو بمرسوم وزاري، أو بقانون في مجلس النواب. ولدواعي سياسية أيضاً، كان هناك نقاش خارج الاجتماع الوزاري يشير إلى أنه يمكن ربط القرار بوقت محدد للتنفيذ مثل إقرار الموازنة أو بموعد يكون في مطلع السنة المقبلة. وهذا يعني أنه سيكون لدى التجار فرصة لاستيراد السلع وتخزينها وتسديد الرسوم على الدولار الجمركي الحالي، ثم بيعها بأسعار جديدة تتضمن دولاراً جمركياً جديداً، بالتالي سيحقق التجار أرباحاً هائلة، أو ستكون لديهم قدرة مالية على حساب المستهلك من أجل تمويل رساميلهم.
إنما في كل الأحوال، سواء أقرّ اليوم أو لاحقاً، فإن التجّار سيضيفون كلفة الضريبة إلى ثمن السلع المبيعة، ما يعني ارتفاعاً في الأسعار، ولو أنه قد يكون على حساب حجم المبيعات. فهم لن يتورّعوا عن القيام بذلك للحفاظ على مستويات الربحية التي طوّروها تدريجاً على مدى سنوات الأزمة لتعود إلى مستوياتها السابقة، وبما أن لا رقابة فعلية على عمليات التسعير، فإن لا شيء يفرض على الاحتكارات التجارية التخلّي عن الأرباح مقابل الامتناع عن رفع الأسعار على المستهلكين.