إقتصادصحةمحلياتمن الصحافة

الصحة النفسية باتت مُكلفة جدًا..فما مصير المريض والجلسة بـ100 دولار؟

كتبت مارينا عندس في الديار:

لا تزال المناقشة المتعلّقة بالقضايا النّفسية، من المحرّمات الثقافية في لبنان، والوضع من سيّء إلى أسوأ.

مرّ على لبنان حروباتٍ عديدةٍ وضغوطاتٍ كبيرةٍ أضرّت بصحّة معظم اللّبنانيين وحاولوا إمّا التّأقلم معها، وإمّا معالجتها سرًّا عن طريق الطبّ النّفسي.

وبعد مرور المصائب الثلاث في السنتين الأخيرتين على لبنان، أولًا تفجير مرفأ بيروت في الرّابع من آب، ثانيًا تفشّي فيروس كورونا وثالثًا انهيار العملة اللّبنانية وبالتّالي ازدياد البطالة وتفشّي الفقر، لا يسعنا إلّا الذهاب والعلاج عن طريق الطّب النّفسي، لأنّ البلد بدأ يعاني ممّى يسمّى “الاكتئاب الجماعي”.

مستوى التّوتّر والقلق ارتفع لدى معظم اللّبنانيين، تحديدًا للشّباب والمراهقين الّذين يجهلون مستقبلهم ومصير حياتهم.

أمّا كبار السّن، يخافون على آخرتهم لأنّ أموالهم تمّ حجزها، والأوضاع المعيشية باتت صعبة جدًّا، يخافون المرض لأن البلد، لا دواء فيه ولا مستشفيات جاهزة للاستقبال.

هذه الأمور وغيرها، حقنت المواطن اللّبناني بإبرٍ من الكآبة والسّلبية، جعلت صحّته النّفسية مهدّدة. فكيف أصبحت تكاليف العيادة النّفسية وما مصير كل مريضٍ متروكٍ؟

ميشال يعاني من مشاكل نفسية، نتيجة تعرّض والده لوعكة صحّية في عمله. ميشال اضطّر أن يعيل العائلة بأكملها ويؤمّن مستلزمات البيت الأساسيّة.

يؤكّد للدّيار، بحسب قوله، من أنّه يعاني من اضطرابات نفسية وسلوك سلبي وعدم الرّغبة في مقابلة النّاس، والانعزال التّام، ممّا جعله يفكّر في الانتحار أكثر من مرّتين.

خسر صديقه في انفجار 4 آب، خسر وظيفته في الوقت الحالي، ويحاول أن يفتّش على وظيفة ليؤمّن لقمة العيش له لأهله. لكن السؤال الذي يُطرح:” كيف سيتخطّى كل آلامه ويحاول التقدّم والعيش بسلام، إن لم يذهب إلى عيادة حكيم نفسي؟”

تؤكّد المعالجة النّفسية يارا سنجب للدّيار، أنّ تكاليف العيادات الطّبيّة ارتفعت والأوضاع صعبة على الطّرفين أكان للمريض أو للحكيم، لذلك أنا أتفهّم بما يمرّان به.

وأشارت إلى أنّه من المهمّ في هذه الحالة، توحيد أسعار الجلسة النّفسية بأسعارٍ مدروسةٍ تضمن حق الطرّفين. وقالت:” الجلسات تترواح ما بين الـ30 والـ60 دولار، بالاضافة إلى الّذين يتقاضون الـ80 والـ100 دولار على الجلسة الواحدة”.

ولفتت سنجب، إلى أنّ هناك من يساعد في هذا الموضوع ويدعم القطاع النّفسي، كبعض الجمعيات التي من خلالها يحاول المريض اللّجوء إليها والتعافي بأسعار متدنيّة أو حتّى مجّانيّة.

أمّا عن مصير هذا القطاع، اعتبرت سنجب أنّ الوضع العام مشوّش، والاقتصاد مُنهار في الوقت الرّاهن، لذلك على جميع القطاعات أن تتحسّن، ليتمكن المريض أن يتعالج بدوره، كالايجار وفواتير الكهرباء والمياه..الخ

بدورها، أكّدت الأستاذة المتقاعدة في الجامعة اللّبنانيّة غادة حروق، قسم علم النّفس، أنّه يمكننا الكلام عن مزاج إكتئابي نلاحظه في محيطنا وعلى وسائل التواصل الإجتماعي .

وقالت للدّيار:” لم يأت هذا المزاج من فراغ، فظروف لبنان الضّاغطة، الوضع الإقتصادي والمعيشي الصّعب إضافةً إلى الوضع الصحي المستجد منذ أكثر من سنتين بسبب كوفيد ١٩ وما خلفه من خوف و وفيات و آثار سلبية على الأفراد الذين أصيبوا و محيطهم العائلي، كل هذه التراكمات أحدثت ضغوط نفسية وأدت بالتالي إلى مزاج اكتئابي”.

وأضافت حروق:” في الأوضاع الطبيعية، عندما يعاني الفرد من ضغوطاتٍ نفسيّةٍ، يلجأ الى الترويح عن نفسه بالتسلية والنشاطات والاجتماعات العائلية التي تساعد إلى حدٍّ كبيرٍ بالتّخفيف عن الضّغط ريثما تزول مسبباته، أمّا في وضعنا الحالي فكل ذلك غير ممكن و يؤدي الى تراكمات و ضغوط نفسية غير قابلة للحلّ إلا عند الميسورين، وهم قلة، و يؤدي بالتّالي إلى المزاج الإكتئابي الذي تحدثنا عنه”.

وعن سؤال هل سيتمكّن المواطن اللّبناني من زيارة الطّبيب، إذا كانت الجلسة الواحدة بـ60 دولار، أجابت:” بالنسبة للّجوء إلى العلاج النفسي و بدلاته المادية التي تفوق قدرة الفرد العادي المتوسط أو المعدوم الدخل، فهناك الكثير من الجمعيات التي تساعد طالبي الدعم النفسي و مجاناً أو ببدل مادي بسيط بمقدور أي فرد تسديده”.

ولفتت حروق إلى أنّ الجامعة اللّبنانية- طرابلس كانت قد أطلقت منذ سنتين بالشراكة مع وزارة الصحة، مبادرة ” نحنا حدّك” للدعم النفسي من دون أيّ مقابل مادي، من خلال الإتصال بالخط الساخن و بالتالي يتم دعمه. و قد أثبتت هذه المبادرة فعاليتها و نتلقى تقريباً يومياً أكثر من ١٠ اتصالات، حيث يُحوَل طالب الدّعم إلى اختصاصيين نفسيين يقومون بمساعدته و بالتّالي التخفيف عنه قدر الإمكان ليستطيع الإستمرار بحياة نفسية آمنة نوعاً ما.

وفي هذا الأطار، لفت الخبير الاقتصادي نسيب جبريل للدّيار، أنّ البعض من اللّبنايين لا يزالون يعتبرون أنّهم ليسوا بحاجة إلى الطّبّ النفسي.

واعتبر أنّ أهمّ ما في الموضوع هو معرفة المواطن اللبناني ما هي احتياجاته وأولويّاته أثناء الضيقة المالية للبلد، لمعرفة كيفية صرف ميزانيتهم ودخلهم.

واكّد جبريل أنّ الأوضاع الاقتصاديّة لا تزال صعبة في بلادنا، والمداخيل قليلة، لذلك علينا تأمين ما هو المهم للمواطن، هل هو الأكل أم الطّبابة أم الصّحة النّفسية؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى