أكثر من 100 ألف شهادة مزوّرة.. من وراء هذه المافيات بين لبنان والعراق؟
لم نعد نعرف حقاً من أين نأكل الصفعات. فها هو القطاع التعليمي الجامعي في لبنان، الذي نتباهى به وبفخر، يدفع، كما كل شيء في البلد، أثماناً باهظة. وها هو العراق يوقف التعامل مع الجامعات اللبنانية كافة باستثناء اثنتين. وهذا القرار أتى بعد سبعة أشهر على قرار وقف التعامل مع ثلاث جامعات في لبنان. هي صفعة جديدة لا يجوز السكوت عنها وكأن شيئاً لم يكن. فلنبحث عن السبب علّه يُبطل العجب اللهمّ أن لا يكون الجواب أكثر إيلاماً من القرارين الأوّل والثاني!
هل اقتحمت الحسابات «الخنفشارية» القطاع التعليمي الجامعي في لبنان؟ قبل أشهر، يوم قرّر العراق تعليق دراسة طلّابه مع كل من الجامعات الثلاث: الجامعة الحديثة للإدارة والعلوم (القريبة من الحزب التقدمي الإشتراكي) وجامعة الجنان (التي أسسها النائب السابق فتحي يكن) والجامعة الإسلامية في لبنان (المحسوبة على المجلس الشيعي والقريبة من «حزب الله») قيل هناك 6 و6 مكرر. والمقصودة الأولى هي الجامعة الأخيرة التي منحت ما لا يقل عن 27 ألف شهادة ماجيستير ودراسات عليا مزورة الى عراقيين. حصل ذلك في 9 تشرين الثاني 2021 ويومها ردّ وزير التربية الحالي عباس الحلبيبالقول: «تزوير الشهادات هو جرم جنائي بإمكان الوزارة ملاحقته». تلاحقت الأحداث في لبنان فنسينا القرار وكل الكلام التربوي.
المسألة في لبنان «عرضية» لا تتطلب تحقيقات ومحاسبات لكن الأمر أخذ بعداً آخر بعدما قررت وزارة التعليم العالي في العراق وقف التعامل مع كل الجامعات اللبنانية باستثناء اثنتين. فهل لدى العراقأجوبة شافية؟ رئيس مؤسسة النهرين لدعم النزاهة والشفافية العراقي محمد رحيم الرباعي تابع القصة ويملك كثيراً من التفاصيل. يقول «تابعتُ القضية من جانب مختلف، فالوظائف العمومية الحكومية في العراقتقدم أسوأ الخدمات، بسبب أن من يمسكون بها قد حصلوا على شهادات مزورة من لبنان وإيران وبدأوا اختلاس درجات وظيفية لا يستحقونها. إشتروها للحصول على امتيازات ومخصصات مالية تتراوح بين ثلاثين الى خمسين في المئة إضافة على رواتبهم. إستلم هؤلاء بفعل التزوير مناصب أكبر من حجمهم وهم من أغبى الأغبياء. أضاف: كانت تحصل عمليات التزوير في الشهادات بحالات فردية أو لنقل بالعشرات لكن، بعد الأزمة الإقتصادية في لبنان، تفاقمت كثيراً. وهو ما دفع كثيراً من المسؤولين العراقيين الى التهافت نحو الجامعات اللبنانية وقد تكون وزارة التعليم العالي في العراق متواطئة معهم. ولم تعد تجري مطابقة البحوث والدراسات التي تجرى في جامعات لبنان لطلاب عراقيين مع البحوث والدراسات في العراق وأصبحت إما مكتوبة من غير الطلاب العراقيين أو مسروقة من طلاب آخرين في لبنان تخرجوا في الأعوام الأخيرة».
ما حصل في الآونة الأخيرة هو أشبه «بتسويق شبكي» للشهادات المزورة ويقول الرباعي «خطأ الحكومة العراقية أنها لم تعمل على توسيع نطاق التعليم العالي لديها، ففي كلية الحقوق في بغداد لا يستقبلون سوى عشرة طلاب ( لنيل الدكتوراه) على الأكثر سنوياً، يتوزعون أربعة على النفقة العامة وأربعة على النفقة الخاصة ويخصصون مقعداً لذوي الشهداء أو السجناء السياسيين، وعلى هؤلاء أن ينتظروا عاماً كاملاً لينتسبوا. تلك الحالة جعلت حتى من يملكون الكفاءات أن ينشدوا تلك الشهادات المزورة، خصوصا أن هناك من كان يستحصل لهم على إقامات في لبنان، وعلى أنهم موجودون في بيروت، في حين يكونون في العراق. هذا عزّز المشكلة كثيراً» اضاف «بدا الفساد وكأنه متفق عليه سياسياً بين العراق ولبنان، فالجامعات اللبنانية هي وحدها تطلب من الطلاب العراقيين تصديق شهاداتهم لخمس مراحل، وبالتالي يضطر الطالب العراقي الى دفع رسوم الإستحصال على الوثائق المطلوبة مرات ومرات. هناك أمر آخر يفترض لفت النظر إليه وهو أن مجموعة من الطلاب العراقيين في لبنان شاركوا أيضا في الفساد، وكانوا يأخذون من رفاقهم بين 500 و600 دولار كوكالة عنهم في الجامعات اللبنانية وفي السكن. وقد أصبحوا من اثرى الاثرياء».
يبقى سؤال، لماذا تقرر اليوم تعليق التعامل مع كل الجامعات في لبنان باستثناء اثنتين؟ وبالتالي، هل كل تلك الجامعات مشتركة في الفساد؟ ينفي الرباعي ذلك مؤكداً أن «بينها جامعات تتمتع بالرصانة العلمية. وجامعة الكلسيك مثلاً واحدة منها. وهناك عدد من الطلاب العراقيين يأتون على نفقة الحكومة العراقية سنوياً إليها. والذي «عدا وبدا» أن دولة العراق قررت أن تأخذ قراراً عاما في شأن الجامعات اللبنانية، حتى لو «راح الصالح فيها بعزا الطالح»، والإبقاء فقط على الجامعتين اللتين لهما صلات أميركية. هم تحاشوا أن يجملوهما بالقرار» ويضيف متطرقاً الى غمز وهمس يدور حاليا بين الطلاب العراقيين مفاده أن القرار الذي اتخذته وزارة التعليم العالي في العراق قد يكون المقصد منه «دفع الجامعات اللبنانية الى أن تتقاسم معها ما جنته طوال الأعوام الماضية من نهج الشهادات المزورة».
الكلام كثير. الإتهامات كثيرة. والشفافية والنزاهة تستدعيان وضع النقاط على كثير من الحروف. هذه بعضها فهل من يقرأ؟ هل من يهتم؟