ما هي “حكاية” اللقاء بين ماكرون وفرنجية؟
منذ حوالي شهر زار رئيس تيار المردة سليمان فرنجية باريس. مصادر مقربة ومواكبة للزيارة أشارت إلى اجتماع فرنجية بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في لقاء لم يعلن عنه، وتداول معه في الاستحقاقات اللبنانية المقبلة النيابية والرئاسية.
بعد حوالي أسبوع سيزور فرنجية موسكو، بعدما كان نجله النائب طوني فرنجية قد زارها وسمع كلاماً إيجابيّاً من المسؤولين الروس، كما تنقل مصادر مقرّبة منه.
فماذا يفعل فرنجية بين باريس وموسكو؟ وهل بدأت تسوية رئاسية بالنضوج أم لا يزال الوقت باكراً للحسم؟
يكثر الحديث عن الإطاحة بالانتخابات النيابية تحت ذرائع عدّة، أبرزها الأزمات الماليّة والقضائية والدبلوماسية، وعن الذهاب إلى إنضاج تسوية إقليمية دولية تتيح للبنان الدخول في مسار سياسي جديد تتخلّله انتخابات نيابية ورئاسية تكون نتاجاً للتسوية المقبلة.
أرسل فرنجية أكثر من مرّة إشارات إيجابية إلى رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل لإعادة التواصل بينهما
في كلتا الحالتين، إرجاء الانتخابات النيابية أو إجرائها، فإنّ بنشعي تتلقّى هذه الأيام إشارات إيجابية تتعلّق بالاستحقاق الرئاسي المقبل. يقول مقرّبون من بنشعي إنّ حركة استقبالات السفراء وحدها تشير إلى اهتمام سياسي بالغ. يدرك هؤلاء أنّ إشارات اليوم قد تتبدّد غداً مع اختلاف الظروف السياسية للبلاد، إلا أنّهم في تفاؤلهم يستندون إلى أكثر من معطى:
1- “التسوية”: السورية الإماراتية، برعاية أميركية فرنسية مصرية، التي بدأت تلوح إشاراتها، بحسب قراءة بنشعي: فعلاقة فرنجية مع الخليج “ممتازة”، والعلاقة مع الأميركيين “جيّدة جدّاً”، ولذلك لدى فرنجية فرصة في أن يكون محطّ توافق بين القوى المختلفة.
2- باسيل: داخلياً، أرسل فرنجية أكثر من مرّة إشارات إيجابية إلى رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل لإعادة التواصل بينهما. في المرّة الأولى عبر برنامج “صار الوقت”، عندما قال “مية مرّة جبران باسيل ولا مرّة سمير جعجع”، في إطار كلامه عن أنّ ما يجمع المردة بالتيار الوطني الحر استراتيجيّاً أكبر ممّا يجمع المردة مع القوات. أمّا الرسالة الثانية فقد قالها أمام ماكينته الانتخابية عندما أبلغهم أن لا يُفاجأوا عندما يسمعون خبر إعادة التواصل بين تيار المردة والتيار الوطني الحر في إطار الحوار مع القوى المختلفة، على قاعدة أنّ من قام بمصالحة وجدانية مع القوات لطي صفحة مجزرة اهدن التي وقعت في عام 1978، لا يقفل باب الحوار مع التيار على الرغم من كلّ الحملات السياسية العنيفة السابقة. وفي المعلومات أنّ أحد المحامين المقرّبين من باسيل حاول إعادة وصل ما انقطع مع فرنجية قبل الانتخابات في محاولة للوصول إلى تحالف انتخابي، لكنّه لم ينجح. غير أنّ المطّلعين على مسار العلاقة يتوقّعون انفراجات فيها تمهّد لقبول باسيل بفرنجية رئيساً للجمهورية على اعتبار أنّ فرص باسيل معدومة، ولا سيّما أنّه لا يزال على لائحة العقوبات الأميركية.
3- حزب الله: هناك عامل إضافي يمكن أن يسهم في تليين موقف باسيل، يعوّل عليه المقرّبون من بنشعي، هو حزب الله. ففي مقابل عدم مطالبة فرنجية بأيّ دعم له في الانتخابات النيابية وعدم مطالبته بأيّ مقاعد إضافية، يحظى باسيل بدعم هائل من حزب الله في أكثر من دائرة. وفي مقابل دعم حزب الله لباسيل في الانتخابات النيابية سيكون على باسيل قبول تبنّي حزب الله لفرنجية رئيساً للجمهورية، إن قرّر ذلك.
4- القوات: لا يولي المقرّبون من بنشعي أهميّة لموقف القوات اللبنانية الرافض حتماً لرئاسة فرنجية على اعتبار أنّ المعركة النيابية المقبلة ستحدّد أحجام القوى المسيحية، مراهنين على إدارة حزب الله للمعركة بما يجعلها عاجزة عن وضع فيتو على فرنجية.
هل تصيب حسابات بنشعي المتفائلة؟
لا يخفي المقرّبون من فرنجية إدراكهم للتغيير الذي يمكن أن يطرأ على الساحة. فبينما يراهنون على وصول رئيس “يعكس تقدّم محور حزب الله في المنطقة” بشكل لا يستفزّ المحور الآخر، يراهن آخرون على الذهاب، وفق التسوية المقبلة، إلى اسم أكثر اعتدالاً لرئاسة الجمهورية يشكّل عنوان تقاطع سياسي. ومنهم مَن يعتبر أنّ قائد الجيش جوزيف عون يحظى بالشروط المناسبة، ومنهم مَن يرى فرصاً أكثر جدّيّة لأسماء تشبه ناجي البستاني.
ليس كلّ الكلام السياسي في الكواليس سوى مقدّمة تمهّد لاستحقاقات مقبلة، استحقاقات دستورية برلمانية رئاسية ماليّة اقتصادية، تصبّ كلّها في المسار الجديد، إن نجح لبنان في العودة إلى دائرة الضوء.
تمثّل عودة سفراء الخليج إشارة، وترسل زيارة البابا فرنسيس إشارة، وتعطي إمكانية الاتفاق مع صندوق النقد إشارة. فهل ينجح حزب الله في انتزاع رئيس يتمتّع بعلاقات ممتازة مع القوى المختلفة، لكن أقرب إليه في المرحلة المقبلة، ويعكس فوزه الانتخابي؟ أم أنّ تجربة رئاسة ميشال عون أقفلت الباب الرئاسي على أصدقاء حزب الله؟
أساس ميديا