محليات

500 حضانة مرخّصة في لبنان: الوحشية تسرّبت من واحدة، ماذا عن باقي الحضانات؟

لو لم تقرّر العاملة التي صُرفت منذ شهر من وظيفتها في حضانة Garderêve تسريب بعض الفيديوهات لما علمنا بهذه البشاعة والعنف اللفظي والجسدي الذي يتعرض له الأطفال في تلك الغرف المغلقة. صدمة تصوير هذه الفيديوهات بكل برودة أعصاب توزاي ببشاعتها وقساوتها مشاهد العنف التي مارستها المربية دجيني حلو على الأطفال الصغار.

رغم قرار إقفال الحضانة وتوقيف المسؤولة عن تعنيف الأطفال في لبنان، نعرف تماماً أن هذه الظاهرة لن تكون الأخيرة. ونتذكر قبلها حادثة تعرّض الطفل ستيفن في حضانة جبيل إلى التعنيف من قبل طفل آخر في ظل غياب رقابة من قبل المشرفات.

كذلك لم ننسَ حادثة وفاة الطفل إيليو سلوم في آذار 2015 في حضانة Clarina et zoe في منطقة عجلتون بعد تعرضه لـ”ارتداد بلعومي” بحسب تشخيص الطبيب الشرعي، وقد أقفلت وزارة الصحة آنذاك هذه الحضانة نهائياً، بعد أن تقدّم أهل الطفل بشكوى إلى النيابة العامة، وتبيّن أن الحضانة لا تملك ترخيصاً.

وقبل هذه المأساة بأسبوع توفيت الطفلة جنى، ابنة الخمسة أشهر في إحدى حضانات ضاحية بيروت الجنوبية، وفي كانون الأول من العام نفسه تُوفّي الطفل عُمر في إحدى حضانات طرابلس. وقد دفعت هذه الحوادث وزير الصحة السابق وائل أبو فاعور إلى إقفال كل دور الحضانة غير المُرخّصة في لبنان، والتي بلغ عددها 120 دار حضانة بعد أن لجأ 85 دار حضانة إلى تسوية أوضاعها .

لا يقتصر الإجراء على إقفال الحضانة بالشمع الأحمر، فهناك عشرات الحضانات التي تعمل من دون رخصة ويكون فيها الضرب والعنف موازياً للتربية، من دون علم أحد. المطلوب إجراء مسح كامل للحضانات في لبنان وإعادة تفعيل قرار تشغيل الكاميرات داخل الحضانات تتيح للأهالي الاطمئنان على أطفالهم. وبات معلوماً أن التعديات التي ظهرت في الفترة الأخيرة تدل على الإهمال وغياب الرقابة اللذين يعاني منهما هذا القطاع.

تؤكد رئيسة دائرة الأم و الطفل في وزارة الصحة العامة باميلا منصور لـ”النهار” “وجود 500 حضانة مرخصة في لبنان، في حين تجهل الوزارة عدد الحضانات غير المرخصة، وهي من عمل وزارة الداخلية والبلديات. وفي العام 2019 أقفلت وزارة الصحة كل الحضانات غير المرخصة.

وعن أبرز الشكاوى التي وردت إلى وزارة الصحة حول الحضانات جاءت من الأهالي وكانت حول العضّ، عند الأطفال الذين تتراوح أعمارهم نحو السنتين.

أما بالنسبة إلى حادثة الحضانة وما جرى، فتشدد منصور على أن الموضوع ليس محصوراً بالتفتيش فقط وانما هناك عوامل عديدة لعبت دوراً. ومن المهم معرفة أن مراقبي وزارة الصحة موجودون على مختلف الأراضي اللبنانية قادرين على تأدية عملية التفتيش ولكن في ظل الأزمة الاقتصادية بات التفتيش يقتصر على الترخيص والتعديل أو شكوى معينة ولم تكن هناك جولات دورية.”

وتشير إلى “أننا عندما نتحدث عن التعنيف، المسألة ليست في الترخيص أو توفر المكونات، وإنما يجب التأكد من سلوكيات الموظفين ويجب العمل مع الشركاء لزيادة الوعي والمتابعة، مثل زيادة تطبيق وضع الكاميرات، التدريب على سياسة حماية الطفل في الحضانة، خلق سياسة موحدة للتدريب وخلق نظام إحالة مع الوزارات المعنية (وزارة الشؤون والعدل) في حالات العنف، وزيادة التوعية لأن التغيير يحتاج وقتاً. وما جرى مع هذه الحضانة كان حافزاً للبدء التطبيق على الأرض والتشبيك مع كل الأفرقاء. ويبقى السؤال كيف لم تتمكن مسؤولة الحضانة من اكتشاف ومعرفة سلوك المربية خلال السبعة أشهر.”

هذا ما تسرب من حضانة واحدة، ولكن السؤال ما الذي يجري في حضانات أخرى حيث لم يتمكن أحد من التصوير؟ إن سحب التسجيلات من الكاميرات قد يكشف الكثير، والخوف من المستور ولم يعرف أحد به.

وبالعودة إلى حادثة الأمس، روى بعض الأهالي أن “العاملة التي سربت الفيديو إلى أحد الآباء، كانت قد صُرفت من العمل منذ شهر، وعلى ما يبدو أن محاولة الابتزاز التي كانت تهدد بها لم تنجح، فقررت ارسال الفيديو انتقاماً. صحيح أن ما فعلته ساعدنا على كشف حقيقة ما يتعرض له أطفالنا لكنها صمتت طوال تلك الفترة، ولو لم تقرّر الانتقام لما علمنا بكل ما كان يحدث في الداخل”.

وبعد أن أوقف الأمن الداخلي كل من المدعوّتَين دجيني حلو الخوري (1979) التي كانت تعنّف الأطفال وظهرت في الفيديو، وصاحبة الحضانة طوني مهنا (1985)، يطالب الأهالي اليوم بتوقيف العاملة التي سربت الفيديو، وقد أكدت باتريسيا خوري احدى الأمهات التي يتواجد ابنها البالغ من العمر سنتين في الحضانة لـ”النهار” أن “وفق أقوال العاملة التي صورت الفيديو يوجد فيديوهات أخرى أكثر فظاعة من الذي سُرب، إلا أن هاتفها وقع في الماء. لذلك طلبنا منها احضار الهاتف لسحب الداتا منه”.

وتشير إلى أنها “لم تتمكن من الحصول على فيديو حيث يتعرض ابنها للعنف اللفظي والجسدي، إلا أن العاملة التي صورت الفيديو أكدت لي أنه كان يتعرض لسوء معاملة أيضاً.”

تقدم أهالي الأطفال في الحضانة بشكوى والملف أصبح بعهدة القاضية غادة عون، وفي انتظار ما ستؤول إليه التحقيقات، وبالأمس قدم بعض الأهالي افاداتهم، في حين يُحضر بعض الأهالي تحركاً أمام قصر العدل لتوقيع عريضة والمطالبة بإنزال أشد العقوبات بكل من شارك وكان مسؤولاً عن التعنيف في حق الأطفال.
وشددت باتريسيا على أنه في حال لم تتم محاسبة المسؤولين عن التعنيف في القضاء، ستتم محاسبتهم من قبل الأهالي، لأنه من غير المقبول ضرب الأطفال على رؤوسهم لإخفاء أي معالم للعنف، بالإضافة إلى العنف اللفظي.

كان ابن باتريسيا يبكي رافضاً الذهاب إلى الحضانة، لم تسعف الأشهر السبعة من التخفيف من وطأة التأقلم، اليوم تفهم باتريسيا جيداً سبب هذا البكاء وسلوكه، “لم يخطر ببالنا أن أطفالنا يتعرضون لهذا الأذى وبهذه القسوة”.

تخونها الدموع، ليس سهلاً ما عاشه طفلها البالغ من العمر سنتين، صدمة نفسية ستترك أثرها في هذه المرحلة قبل أن يتخطاها بمساعدة الأهل والاختصاصيين. كان ينطق ببعض الكلمات أما اليوم فهو يرفض الكلام، هذا الثمن الذي دفعه ابني من يعوّضه. “

هو واحد من مجموعة أطفال وقعوا ضحايا تعنيف لمربية من المفترض أن تتمتع بكل المعايير المطلوبة للتعامل مع الأطفال الصغار، إلا أن الواقع مختلف تماماً عن النظريات والمثاليات.

وتمنت باتريسيا من وزارة الصحة “عدم ابلاغ الحضانة قبل زيارة التفتيش، فهي حتماً ستخفي كل ما يُسيء، وستحافظ على ماء الوجه أمام رقابة الوزارة. لذلك نشدد على أن يكون التفتيش فجائياً ومن دون علم وخبر، وأن يُعاد تشغيل الكاميرات داخل الحضانات حتى يتمكن الأهل من مراقبة أطفالهم عن كثب.”

حرقة باتريسيا تتشابه مع حرقة تاتيانا طنوس والدة الطفلة المعنفة التي ظهرت بالفيديو، لا تخفي تاتيانا أن ابنتها كانت تبكي في الليل من دون سبب و”كنا نظن أن السبب هو بدء نمو أسنانها. كانت منزعجة ولم تعد تأكل جيداً، ولكن لم نتوقع أن السبب تعرضها لهذا الأذى الجسدي والنفسيّ”.

وتوضح طنوس أن “تجربتي الأولى مع الحضانة مع ابنتي الكبرى كانت جيّدة، ولم تكن المربّية دجيني الحلو تعمل آنذاك. ومع ذلك سحبت ابنتيَّ من الحضانة بعد الذي حصل مع ابنتي الصغيرة”.

و”بعد وصول الفيديو المسرب إلى هواتف بعض الأهالي، توجهنا مباشرة وسحبنا أطفالنا من الحضانة ووقعنا عريضة وقدمنا شكوى”. المطالبة اليوم وفق طنوس “الحصول على كل الفيديوهات المسجلة لمعرفة حقيقة ما كان يحصل، وما شاهدناه هو 1 في المئة من الذي كان يجري هناك من دون علمنا. نمضي اليوم بالقانون ولكن إن خرجت بكفالة بعد أشهر أو سنة، سيكون لنا حديث آخر.”

وعليه، تطالب طنوس بإنزال أشد العقوبات بكل من يثبت مسؤوليته في هذا العنف، ومساعدة الأطفال نفسياً لتخطي هذه الصدمة وإعادة الأمان والثقة بدور الحضانات”.

هذه المطالبة أكد عليها وزير الصحة بعد اجتماعه في الوزارة مع المعنيين، وأكد ان “هناك شركاء دوليين بهذا الملف بالتعاون مع الوزارات المعنية والنقابات، والأزمات لا تُبرر أي تعرّض للأطفال والتعامل معهم بأي طريقة مخالفة لحمايتهم”.

“النهار”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى