المنظومة تتحدى أهالي ضحايا المرفأ وتعيد الموظفين إلى مسرح الجريمة!
كتبت جوانا فرحات في “المركزية”:
كأن المطلوب أن يُطوى ملف جريمة تفجير المرفأ على صفة “حادت مأساوي نتيجة إهمال وظائفي”. وما يحاك داخل غرف المنظومة الحاكمة لا يخرج عن مسار الاستراتيجية التي تعتمدها لجهة إسقاط كل القيم الإنسانية وطمس العدالة وتحويلها إلى مجرد قدر ملعون للتعمية على القضاء المسيّس.
وما حصل في ملف المرفأ منذ يومين وتحديدا في 6 حزيران قضائيا عشية الذكرى الثالثة لجريمة المرفأ ،يثبت أن قافلة المنظومة التي قتلت أرواحا بريئة صادف وجودها أو مرورها أو تواجدها في منطقة مرفأ بيروت السادسة و7 دقائق من عصر ذاك الرابع من آب 2020 مستمرة في إسفافها اللامتناهي وذلك عبر إعادة الموظفين الذين تم توقيفهم بتهمة الإهمال خلال أداء وظيفتهم في المرفأ وتسببهم بتفجير نترات الأمونيوم في العنبر رقم 12 إلى وظيفتهم على أرض مسرح الجريمة التي لا تزال أشلاء الضحايا تصرخ تحتها بالعدالة والحقيقة.
قبل يومين وتحديدا في 6 حزيران تبلغ محمد المولى، رئيس الميناء في مرفأ بيروت، بقرار عودته لمتابعة مهامه داخل المرفأ. إلا أن القرار ليس وليدة اللحظة ولا هو حصري. ففي 5 نيسان قدّم وزير الأشغال العامة، علي حمية، لائحة تضم أسماء موظفين في المرفأ من غير الفئة الأولى، المشمولين بقرار مجلس الوزراء، وطلب من هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل إبداء رأيها بشأن إمكانية عودتهم إلى مزاولة مهامهم في الإدارات والمؤسسات التابعين لها. ما يعني أنه بحاجة إلى “مخرج” قانوني- قضائي كي يمكنهم من العودة إلى مزاولة عملهم داخل المرفأ.
وبحسب رأي الهيئة التي ترأسها جويل فضول عقيلة وزير العدل هنري خوري الذي سبق وطرح فتوى “القاضي البديل”، فإن” قرارات تسيير مصالح الدولة تعود إلى قرارات وزارية صادرة عن الوزير المختص وليس إلى مجلس الوزراء مما يتيح لحمية إعادة الموظفين إلى أعمالهم خصوصا أنهم ليسوا من موظفي الفئة الأولى وبالتالي لا ينطبق عليهم قرار مجلس الوزراء بوضعهم بالتصرف”.
الموظفون العائدون إلى الخدمة وتحديدا إلى مسرح الجريمة هم: مدير إدارة المشاريع ميشال نحول، ومدير العمليات بالتكليف سامر رعد ورئيس مصلحة البضائع العامة مصطفى فرشوخ ورئيس مصلحة الأمن والسلامة محمد العوف الذي فرّ إلى الولايات المتحدة الأميركية بعد ساعات على إطلاق سراحه. وآخر المستفيدين من القرار الذي أحبط نفوس أهالي الضحايا محمد المولى. فهل يستند قرار عودتهم إلى معطى قانوني أم كيدي؟
المحامي في مكتب الإدعاء في نقابة المحامين يوسف لحود يوضح لـ”المركزية” أن القانون في قضية مماثلة يحتمل الرأي والرأي المعاكس ويعطي حرية الإستنساب الذي يخضع للمعطيات الموجودة. ويعود التقدير للمرجعية المعطاة في هذه القضية أي وزير الأشغال علي حمية. ويضيف”كان يفترض على الوزير حمية أن يوازن الأمر لتفادي إلحاق الضرر بالفريقين. لكن ما حصل أنه أصدر قرارا قضى بإعادتهم إلى مراكزهم في المرفأ اي مسرح الجريمة وقبل صدور الحكم النهائي . أضف إلى أن ثمة موقوفين خرجوا بطريقة غير قانونية وكانت هناك ملابسات قانونية حول مسألة إطلاق سراحهم وبالتالي كان يفترض أن يأخذ حمية كل هذه الأمور في الإعتبار وأن يضعهم بتصرف الوزير في ظل قرينة البراءة، طالما لم يصدر أي حكم في حقهم ومنحهم رواتبهم . وبذلك يكون قد جنبهم الإحتكاك مباشرة مع الموظفين وخفف من حدة التشنج لدى أهالي الضحايا لا سيما في ظل عرقلة التحقيق بطريقة غير قانونية”.
الحال أن المسألة كانت تتطلب الكثير من الحكمة وحسن تطبيق القانون لأنه يتعلق بما يعرف بالمعنويات والكرامة والحس العاطفي. وهنا لا تعود مسألة لا مجرد “قرار قانوني أم لا”. وهذا كله كان يحتاج إلى المفاضلة من قبل الوزير حمية بين إعادتهم إلى الوظيفة في مسرح الجريمة أو وضعهم بتصرف الوزير وقبض رواتبهم نهاية كل شهر”.
سجل العائدين إلى وظائفهم ممهور بتهمة الإهمال والقصد الاحتمالي لجريمة القتل”، نتيجة تفجير مادة النيترات داخل المرفأ في الرابع من آب، خصوصاً أنهم كانوا يشغلون مناصب رفيعة داخل المرفأ وعادوا إليها كما صدر عن النيابة العامة التمييزية حيث عام 2020 وقضى بتوقيفهم والتحقيق معهم.
وبعد أكثر من عامين على توقيفهم، قرّر المدعي العام التمييزي، القاضي غسان عويدات، إخلاء سبيل جميع الموقوفين في هذا الملف، والادعاء على المحقق العدلي، طارق البيطار بجرم “اغتصاب السلطة وإنتحال صفة”، مما أدى إلى توقف التحقيقات مرة أخرى.
صمت أهالي الضحايا لن يطول وكذلك مكتب الإدعاء الذي سيصدر عنه قرار الأسبوع المقبل في مسألة قرار إعادة الموظفين الخمسة إلى عملهم في مرفأ بيروت وعشية الذكرى الثالثة للجريمة،”لكن مطلق أي قرار في ملف تفجير المرفأ لا يصدر إلا بعد التداول والتشاور بين نقيب المحامين ناضر كسبار والنقيب السابق النائب ملحم خلف الذي يرأس جلسات مكتب الإدعاء وأعضاء المكتب مع أهالي الضحايا يقول لحود.
وفي وقت يتحضر أهالي الضحايا لإحياء ذكرى جريمة العصر، تثبت المنظومة أن هدفها الأوحد طمس الحقيقة وليست وحدها. فترددات المجتمع الدولي تجاه هذه الجريمة تؤكد بدورها أن ثمة قطبة مخفية. وجل ما يحاك يهدف إلى ترميم الجرح وتضميده بأقل ضرر ممكن.
لكن “إن ننسى فلن ننسى” ثاني أكبر جريمة بعد مجاعة الحرب العالمية الأولى من هنا يجب أن تتصف مقاربتها بالمسؤولية وأن يبتعد المسؤولون عن المكابرة ويخرجوا من دائرة الحصانة التي وضعوا أنفسهم فيها لأنهم بأفعالهم تلك يثبتون أنهم لا يستهيبون فداحة ثاني أكبر جريمة في تاريخ لبنان”يختم لحود.