محليات

فرنسا في كرسي إعتراف بكركي

ترك الحراك الرئاسي الفرنسي وقعه على الساحة اللبنانية، وتحديداً بين القوى المسيحيّة والرأي العام العريض الذي وجد في دعم مرشّح «الثنائي الشيعي» رئيس «المردة» سليمان فرنجيّة تخلّياً واضحاً لفرنسا «الأم الحنون» عنهم؛ الأمر الذي استعجل دوائر الإليزيه لتوجيه دعوة رسميّة لرأس الكنيسة المارونية في لبنان البطريرك بشارة الراعي بغية شرح موقف فرنسا الواضح من الرئيس إيمانويل ماكرون، وذلك في الثاني من شهر حزيران المقبل.

الراعي الذي سيُستقبَل أسوةً برؤساء الدول الذين يزورون الإليزيه، سيحمل معه من بيروت العديد من الملفات السياسيّة والمعيشيّة والتربوية والصحيّة والماليّة التي تخصّ اللبنانيين، كما رغبة اللبنانيين في حثّ الدول الأوروبيّة على تسريع وتيرة عودة النازحين السوريين إلى بلدهم تفادياً للإنفجار الإجتماعي والمعيشي، وذلك إلى جانب الموضوع الذي يشكّل جوهر الدعوة الفرنسيّة والمتمثل بوجوب الإسراع في إنهاء الشغور في سدّة الرئاسة الأولى وانتخاب رئيسٍ للجمهوريّة.

التحديات والمطالب التي يرزح تحت أثقالها اللبنانيون، من شأنها أن تشكّل عاملاً مساعداً للموقف والحراك الفرنسيين الهادفين إلى إنهاء الشغور والعمل على تطبيق الإصلاحات والإلتزامات مع صندوق النقد الدولي والتي تتطلب إعادةً لانتظام عمل المؤسسات الدستوريّة في أقرب وقتٍ ممكن بعيداً عن «النفور المسيحي» من المقاربة الفرنسيّة لهذا الإستحقاق.

ووفق معطيات «نداء الوطن»، فإنّ «الدعوة الرئاسيّة» التي تلقّاها البطريرك الراعي من الرئيس ماكرون تندرج في سياق تأكيد الموقف الفرنسي المرتكز على 3 معطيات.

1- لا إنحياز فرنسياً للفريق «الشيعي» أو «حزب الله»، إنما الإنحياز أو الهم الفرنسي الأساسي يكمن في حثّ القوى السياسيّة على انتخاب رئيس من أجل الحفاظ على الجمهورية والدفاع عن الدستور، وذلك إنطلاقاً من قناعتهم (الفرنسيين) أنّ التمادي في الشغور، يساهم في الإنتقال من أزمة رئاسة إلى أزمة نظام والإطاحة باتفاق الطائف أي الدستور… الأمر الذي لا يلقى قبولاً بين أصدقاء لبنان.

2- «الموازييك النيابي» الناخب، وموازين القوى السياسيّة كما ميزان القوة الذي يفرضه «الثنائي الشيعي» («أمل» – «حزب الله»)، لا يخوّل معارضي سليمان فرنجية انتخاب رئيس لا يرضى عنه «حزب الله».

3- ترجيح كفّة سليمان فرنجيّة الرئاسيّة لا يقطع الطريق أمام المعترضين على هذا الإختيار، ويترك الباب مفتوحاً أمامهم من أجل التفاهم على مرشّح قادرٍ على كسب تأييد «حزب الله»، ليكون بديلاً رئاسياً يشكّل انتخابه مدخلاً لإعادة انتظام عمل المؤسسات الدستوريّة.

تجربة 2015

ووسط الأوساط المتابعة لموقف القوى الإقليميّة والدوليّة الفاعلة على الساحة اللبنانيّة، فإن التقاطع الأميركي – السعودي – الفرنسي حول طرح سليمان فرنجيّة لرئاسة الجمهورية في العالم 2015 خلال ولاية الرئيس الفرنسي الأسبق فرنسوا هولاند، شكّل دافعاً لانطلاقة ماكرون في حراكه الرئاسي الراهن، وذلك بالتزامن مع تراجعه عن الدعوة إلى وجوب البحث في عقد اجتماعي جديد، أي تعديل أو تطوير النظام في لبنان، بعد لقائه القوى السياسيّة في قصر الصنوبر عقب تفجير مرفأ بيروت في صيف العام 2020. الموقف الذي أعاد التأكيد عليه عبر التشديد على مرجعيّة «الطائف» واحترام المهل الدستورية لانتخاب رئيس الجمهورية من خلال البيان الثلاثي الأميركي – السعودي – الفرنسي الصادر على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة – نيويورك في أيلول 2022 بعد اجتماع وزراء خارجية الدول الثلاث المعنية.

المستجد في الزيارة، أنها تأتي بعد تغاضي الرئيس ماكرون خلال زيارتيه إلى بيروت في آب وأيلول 2020 عن زيارة بكركي رغم محاولة المقرّبين من الصرح البطريركي الحفاظ على «العُرف» المُتّبع من رؤساء فرنسا، واستُعيض عن ذلك باستقبال البطريرك الراعي في قصر الصنوبر على غرار لقاءات ماكرون مع رؤساء الأحزاب والكتل النيابيّة، من بينهم رئيس كتلة الوفاء للمقاومة محمد رعد الذي وصفه ماكرون باللقاء المميّز.

في سياق متصل، رأت أوساط مراقبة أن دعوة الراعي إلى فرنسا تعدّ تراجعاً من دوائر الإليزيه والتفاتة من «الأم الحنون» لهواجس القوى المسيحيّة واعتراضها على تحميلها تغليب مصلحة «حزب الله» على مصلحة المسيحيين… الأمر الذي دفع المطلعين إلى التساؤل عن مصلحة المسيحيين في استمرار الشغور الرئاسي والتهويل بـ»الطلاق» وتغيير النظام وغيرها من الطروحات التي دفعت الكرسي الرسولي في الفاتيكان إلى تبليغ بكركي موقف روما الرافض الإنجرار وراء تلك الطروحات.

الأمر الذي فرمل اندفاعة الراعي ورعايته بعض اللقاءات المطالبة بالفدراليّة، قبل أن يعيد ويشدّد في 13 نيسان 2023 على «أننا مع تطبيق اتفاق الطائف نصاً وروحاً، وهذا لا ذكر فيه للفدرالية، بل للامركزية الإدارية، فلنطبق هذه اللامركزية، ولنعتبر الفدرالية طرحاً أو مقولة ساقطة، وتم التداول بها من قبل البعض خلال الحرب اللبنانية، وانتهى الموضوع».

أمّا عن «إنحياز» فرنسا إلى خيار «الثنائي الشيعي» خلافاً لإرادة بعض المسيحيين، فتشير الأوساط المتابعة إلى أنّ مصالح الدول الكبرى هي التي تحدّد سياستها، وذلك بعدما استعاضت فرنسا عن الضمانة التي شكلها المسيحيون لها أو لمصالحها في المنطقة ما بين 1920 – 1975، بالضمانة «السنيّة» التي جسّدها الرئيس رفيق الحريري منذ 1990 حتى استشهاده في العام 2005، الأمر الذي يتطلب منها راهناً ضمان مصالحها التوسعيّة أو الإستثماريّة بكسب ودّ إيران – «حزب الله».

وهذا ما يعزّز موقعها التفاوضي كـ»قائد السياسة الخارجيّة الأوروبيّة» بين الولايات المتحدة وإيران، وبالتالي لعب دور الوسيط في الملفات العالقة كانتخاب رئيسٍ للجمهورية في لبنان بعد أن أسقط إتفاق بيكين (السعودية – إيران) إمكانية استخدام الفيتو بوجه أيٍّ من المرشحين. الأمر الذي سيتبلّغه الراعي من ماكرون بحزم، بالتوازي مع حثّه على دعوة القوى السياسيّة للتوافق على مرشحٍ رئاسي لا يعارضه «حزب الله» تجنّباً لتهديد «الجمهورية» والنظام، أو البحث عن تأمين ظروف انتخاب سليمان فرنجيّة وقطع الطريق أمام رهان البعض على إطالة أمد الشغور من أجل الإطاحة بالدستور وبما تبقّى من الجمهورية.

Related Articles

Back to top button