محليات

تلميذ ميشال عون… يتمرّد!

ما يتسرّب من معطيات حول ما يدور بين قطر و”التيار الوطني الحر”، يشير إلى أنّ العلاقات بين الجانبين راسخة الجذور، الأمر الذي سيترك تأثيرات مهمّة على مجرى الأحداث في لبنان. فعلى صعيد الاستحقاق الرئاسي، تردّد أنّ الموفد الأمنيّ القطري الذي يزور لبنان حالياً، ويقوم باتصالات جنباً إلى جنب مع السفير القطري إبراهيم بن عبد العزيز السهلاوي، كان له دور حاسم في إقناع رئيس “التيار” النائب جبران باسيل بإبلاغ من يعنيه الأمر، وتحديداً “حزب الله” والرئيس نبيه برّي، أنّه لن يكون الطرف الذي سيُكمل نصاب انتخاب مرشّح الثنائي الشيعي سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية.

لم يكن تجاوب باسيل مع الطلب القطري خطوة سهلة على الإطلاق. فرئيس “التيار” يدرك أنّ السباحة عكس تيار الحزب سياسياً ستكون له كلفة باهظة.

على مدى أعوام طويلة كان باسيل جنباً إلى جنب مع عمّه والد زوجته الجنرال ميشال عون الذي كان يعلّم صهره كيفية التعامل مع الحزب وزعيمه التاريخي حسن نصرالله منذ إبرام تفاهم مار مخايل بين زعيمَي الحزب و”التيار” عام 2006. وكم من مرّة كان باسيل إلى جانب مؤسّس “التيار” في اللقاءات التي عقدها نصرالله في مقرّه السرّيّ في عمق الضاحية الجنوبية لبيروت، حتى جاء الوقت ليكون باسيل وحده من يحاور نصرالله بعدما أصبح عون رئيساً للجمهورية عام 2016.منذ انتهاء ولاية عون الرئاسية في نهاية تشرين الأول من عام 2022 حتى الآن، لم تطأ قدما باسيل أرض الضاحية الجنوبية. وبات مسؤول وحدة التنسيق والارتباط في حزب الله الحاج وفيق صفا النافذة الوحيدة له للتواصل مع الحزب. وعلى مدى أكثر من نصف عام، بدأت العلاقات بين الجانبين تسلك طريقاً وعراً سمح بالتكهّن أنّ الجانبين بلغا مرحلة الطلاق، وأنّهما في صدد ترتيب أوراق الانفصال النهائي.

حتى لو صحّت هذه التكهّنات، فهناك حالة “تهيّب” تعتري باسيل من الانتقال من ضفّة التحالف مع الحزب إلى الضفّة المقابلة سياسياً. وقد فسّر كثيرون الكلمة التي ألقاها رئيس “التيار” في جزّين قبل فترة قصيرة بأنّها رسالة إلى نصرالله تطمئنه إلى أنّ خليفة مؤسّس “التيار” ما زال على التفاهم باقياً، طارحاً في الوقت نفسه رؤية فريقه للاستحقاق الرئاسي التي يتصدّرها رفض المضيّ في ترشيح رئيس “تيار المردة” فرنجية لمنصب الرئاسة الأولى.

هل تمضي الأمور “على خير” وسط هذا التعارض الكامل بين السيّد نصرالله الذي منح فرنجية بركة الترشيح، وبين باسيل الذي له خيار آخر غير مرشّح السيّد؟

لا يبدو أنّ هناك أيّ “خير” في أفق العلاقات بين حارة حريك وميرنا الشالوحي، إلا إذا حصل أمر واحد هو: إعلان باسيل أنّه عاد إلى قواعد زعيم الحزب وإشهار موافقته على ترشيح فرنجية واستعداده لكي يكون حاضراً لتلبية نداء واجب الاقتراع لفرنجية إذا ما تقرّر عقد جلسة انتخاب جديدة.

لا جدال في أنّ باسيل غير قادر على أن يمتثل لإرادة نصرالله. وهو إن فعل فسيكون كمن يطلق النار على رأسه وليس قدمه. لذا مضى يرقص على حافة الهاوية كي لا يقطع شعرة معاوية مع الحزب، وفي الوقت نفسه يحاول أن يضع الحزب أمام خيارين: إمّا أن يمضي نصرالله من دون غطاء مسيحي في خيار فرنجية، وإمّا أن يتّجه إلى تبنّي باسيل مرشّحاً، كما قال رئيس حزب الكتائب سامي الجميّل.

يصحّ توصيف وريث الزعامة العونية بأنّه في حال الآن لن يكون فيها مع “السيّد ” بخير، ولا مع المسيحيّين من خارج التيار بخير. من هنا فُهم من الاتصالات التي جرت وما تزال بين الموفد الأمنيّ القطري الموجود في بيروت أنّ الدوحة ستمنح ما يشبه اللجوء السياسي المؤقت لرئيس “التيار” كي “ينفذ بريشه” من مأزق علاقته مع الضاحية. وفي المقابل، ينضوي باسيل في مسار يؤدّي إلى انتخاب قائد الجيش جوزف عون رئيساً للجمهورية. ومن الجوائز التي ستمنحها الدوحة لباسيل، تحريك الدعوى القضائية في نيويورك كي يحصل وريث عون على سجلّ عدلي أميركي عليه عبارة “لا حكم عليه” بعد العقوبات التي أصدرتها بحقّه وزارة الخزانة الأميركية في وقت سابق.

إنّه الحارس القطري الذي يماثل الحارس القضائي. والأخير هو الشخص الذي يتمّ تعيينه من قبل المحكمة عند وجود أصول ثابتة أو منقولة متنازَع عليها مثل عقار يرثه عدّة أشخاص أو مال يملكه عدّة أطراف، وبالتالي يتمّ وضع هذا الأصل المتنازَع على ملكيّته تحت يد حارس قضائي بشكل مؤقّت لحمايته من خطر أو أضرار عاجلة قد تلحق به من طرف آخر أو من جميع الأطراف المتنازِعة عليه.

ألا يشبه حال “التيار الوطني الحر” اليوم في السياسة حال الشخص الذي يعاني من مأزق قضائي يتطلّب وضعه بتصرّف حارس، هو الآن الحارس القطريّ؟

احمد عياش – اساس ميديا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى