محليات

أي وقع لصواريخ الجنوب على ضمانات فرنجية؟

كتب سعد الياس في “القدس العربي”:

يعود الاهتمام بالاستحقاق الرئاسي في لبنان مع زيارة رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل إلى باريس للقاء مستشار الرئيس الفرنسي باتريك دوريل التي تعقب زيارة كل من رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط. ولن يختلف طرح الجميّل في الإليزيه عن طرح جنبلاط إذ سيرفض أي مقايضة بين الرئاستين الأولى والثالثة تقوم على انتخاب فرنجية رئيساً مقابل تسمية السفير نواف سلام رئيساً للحكومة. وسيشكّك الجميّل بأي ضمانات شفهية أو غير شفهية قدّمها رئيس «المردة» لتنقلها باريس إلى الرياض، لأن لا شيء إسمه ضمانات مع حزب الله نظراً للتجارب السابقة وفي طليعتها ما حصل بعد اتفاق الدوحة الذي قضى بانتخاب قائد الجيش العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية وتسمية الرئيس سعد الحريري رئيساً للحكومة، قبل أن ينقلب عليه فريق 8 آذار ويطيح بالحريري بعد فترة سماح لم تتجاوز السنة ونصف السنة، ولتتكرّر المسألة ذاتها مع انتخاب الرئيس ميشال عون حيث تمت الإطاحة بالحريري وعدم القبول بإعادة تسميته بعد ثورة 17 تشرين الأول.

وفي ما يتعلق بالاستراتيجية الدفاعية، صحيح أن فرنجية صادق في طرحه بالدعوة إلى حوار حول هذه الاستراتيجية بعد انتخابه، ولكن التجارب السابقة دلّت كيف أن حزب الله كان يتنصّل من تعهداته ووعوده سواء بعد حوار ساحة النجمة عام 2006 أو بعد إعلان بعبدا حيث اعتبر هذا الإعلان حبراً على ورق، وذهب للقتال خارج لبنان سواء في سوريا أو في العراق أو اليمن. ولعل «الوعد الصادق» الوحيد للحزب هو قول أمينه العام السيد حسن نصرالله إن «أي يد ستمتد إلى سلاح المقاومة سنقطعها وإن السلاح هو للدفاع عن السلاح».

وحول الضمانات بفتح حوار مع سوريا حول عودة النازحين السوريين، فإن الرئيس ميشال عون كان أيضاً صديقاً للنظام السوري ولحزب الله ولم تتجاوب دمشق مع طروحات العودة على الرغم من كل الوفود الوزارية وآخرها زيارة وزير المهجرين عصام شرف الدين المقرّب من حليف سوريا الأمير طلال ارسلان. وكذلك فإن قوافل العودة التي كان ينظمها المدير العام السابق للأمن العام اللواء عباس ابراهيم كانت خجولة وغير جدية، شأنها شأن خطوة حزب الله بتسجيل أسماء الراغبين في العودة إلى ديارهم والتي لم تقدّم ولم تؤخّر.

وحول مطلب الإصلاح والاتفاق مع صندوق النقد الدولي، سيسأل رئيس الكتائب كيف يمكن لرئيس جمهورية أن يعطي ضمانات حول مثل هذا الاتفاق فيما حليفه حزب الله يُعلي الصوت ضد صندوق النقد ويرفض ما يسمّيه «الرضوخ» لشروط الصندوق ومن بينها إقفال معابر التهريب.

أكثر من ذلك، جاءت عملية إطلاق الصواريخ من الجنوب بعلم من حزب الله لتشكّل دليلاً قاطعاً على استباحة السيادة الوطنية وعلى إدارة الظهر للدولة اللبنانية، وبالتالي فالرئيس المقبل الذي يريده حزب الله أن يحمي ظهر المقاومة، المطلوب منه أن يغض النظر عن استباحة هذه السيادة وعن مصادرة قرار الحرب والسلم من قبل السلاح غير الشرعي. وهكذا لم يكد المرشح فرنجية يقدّم الضمانات للعاصمة الفرنسية حتى ظهرت هذه الضمانات وكأنها حبر على ورق ليس أكثر، وهو ما أحرج فرنسا التي أخذ رئيسها إيمانويل ماكرون على عاتقه الاتصال بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لاقناعه بالمقايضة وأوفد إلى الرياض مستشاره باتريك دوريل لمتابعة المحادثات. ويعتقد البعض أن باريس باتت على مسافة من الرأي القائل إن لا فائدة من أي التزامات يقدمها مرشح الثنائي الشيعي لتنقلها إلى المملكة العربية السعودية طالما أن أحد طرفي الثنائي لا يحترم تعهداته ولديه أجندته الإقليمية الخاصة غير المرتبطة بلبنان حصراً والتي وصلت إلى حد التباهي أخيراً بوحدة الساحات والجبهات.

وانطلاقاً من هذه المعطيات، جاءت الجولة الأخيرة للسفيرة الفرنسية آن غريو على بكركي وعدد من القيادات اللبنانية وخصوصاً المسيحية منها المعارضة لخيار فرنجية لتوحي وكأن هناك مقاربة باريسية جديدة ومحاولة لاحتواء الانتقادات المسيحية للسياسة الفرنسية التي بدت أقرب إلى خيارات الثنائي الشيعي منها إلى خيارات «الأم الحنون» على مرّ التاريخ، متخطية بذلك إرادة الأكثرية المسيحية. وجاء أقسى الانتقادات للسياسة الفرنسية من قبل عضو كتلة الكتائب النائب نديم بشير الجميّل الذي قال «للأسف في السنوات الأخيرة لم ترَ فرنسا في لبنان سوى مصالح وصفقات، من التنقيب وصولاً إلى المرفأ والبريد وذلك على حساب مصلحة اللبنانيين» وأضاف «على فرنسا أن تعود إلى دورها الطبيعي، دور الداعمة والأم الحنون للبنان لا لأزلام إيران، وأن تتخلى عن دور السمسار الذي لا يليق بها وبتاريخها».

وقد أثار ما تردّد عن مقاربة فرنسية جديدة وعن طي مرتقب لصفحة فرنجية وعن نصيحة للأحزاب المسيحية الرافضة لتقديم مرشح رئاسي واحد نقزة لدى الثنائي الشيعي الذي أخذ يتوجّس من التوجه الفرنسي الجديد بعدما لم تنجح باريس في إحداث اختراق لدى السعودية والولايات المتحدة وقطر ومصر وهي الدول التي تشكّل اللقاء الخماسي لمساعدة لبنان على الخروج من أزمة الفراغ الرئاسي. بل بقي الجانب السعودي مؤيَّداً من قطر والولايات المتحدة مصراً على مواصفاته السيادية للرئيس المقبل التي سبق وأعلنت من نيويورك وفي طليعتها الالتزام باتفاق الطائف والدستور واحترام القرارات الدولية والسير بالإصلاحات.

إلى متى سيبقى الثنائي الشيعي متمسكاً بخيار فرنجية؟

لا يبدو حتى تاريخه أن الثنائي الشيعي في وارد التخلي عن ترشيح سليمان فرنجية لأنه يراهن على متغيّرات إقليمية وميدانية تتيح له قلب موازين القوى لمصلحة مرشحه. ولكن في الانتظار، لم تعد تصحّ حجة الثنائي الشيعي لتعطيل الاستحقاق الرئاسي القائلة إن المشكلة مارونية أو مسيحية طالما تبيّن أن هذا الثنائي لم يتجاوب مع طلب بكركي تقديم ثلاثة أسماء للرئاسة للخروج من المأزق، وطالما أن هذا الثنائي الذي ينادي بالحوار يضع أمام الكتل المسيحية اسماً وحيداً هو سليمان فرنجية. وهذا يعني حسب أوساط الكتل المسيحية أن حزب الله وحلفاءه يريد إبقاء لبنان ورقة بيده.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى