محليات

متى يدق جرس عودة النازحين؟

كتبت جوانا فرحات في “المركزية”:

لا طمعا بالمخصصات المالية التي تقدمها الدول المانحة للنازحين السوريين بالفريش دولار ولا “ضيقة عين” بالمساعدات العينية والغذائية التي تصلهم تباعا من منظمات دولية وجمعيات غير حكومية، والأهم ليس من باب العنصرية ترتفع الأصوات الرسمية والشعبية والفنية والنقابية المطالبة بعودة النازحين السوريين إلى بلادهم.

منذ وصولهم على دفعات إلى لبنان هربا من الحرب التي اندلعت في سوريا في آذار 2011، وملف تنظيم وجود النازحين السوريين يسري في أقبية الغرف السوداء وأحيانا أخرى على طاولات الحوار بين المعنيين. لكن شيئا من ذلك لم يحصل إلى أن بات النزوح السوري يشكل آفة إجتماعية وإقتصادية على حساب وطن أقل ما يقال فيه إنه يعيش أسوأ أزمة إقتصادية منذ قيام دولة لبنان الكبير. أما على المستوى الديمغرافي، فيكفي أن نقرأ بالأرقام التي تقول بأن عدد النازحين بات يقارب المليونين وعدد الولادات 90 ألفا مع الإشارة إلى أن الإحصاءات الأخيرة دلت على أنه مقابل 5 ولادات لبنانية هناك 15 ولادة من النازحين من دون أن يتم تسجيلها في سجلات النفوس السورية.

ومع توقيع الإتفاق السعودي -الإيراني برعاية صينية والتقارب السوري-السعودي الحاصل واستعادة النظام انتعاشته السياسية والإقليمية تماهيا مع الحديث عن عودة سوريا إلى الحضن العربي، ارتفع منسوب الكلام والحراك على مستوى الداخل والخارج حول ضرورة عودة النازحين السوريين ،وازدادت حدة المطالبات بعد تصريح لمحافظ بعلبك الهرمل بشير خضر، والذي أثار جدلا واسعا عبر وسائل التواصل الاجتماعي بحيث انتقد فيه مطالبات البعض بزيادة المساعدات للنازحين السوريين في لبنان. وأعقبه بتصريح ردا على منسق مخيمات النازحين في منطقة عرسال الذي كان من ضمن المطالبين بزيادة التقديمات للنازحين محملا المحافظ خضر مسؤولية أوضاعهم الصعبة، ومُطالباً إياه بالعمل على تحسينها، وقال فيه:” وظيفة المحافظ هي أعلى وظيفة إدارية في الدولة اللبنانية فيما راتبي هو أقل من راتب النازح السوري في لبنان”.

على خط مواز، يطلق الإتحاد العام لنقابات عمال لبنان حملة بعنوان “الحملة الوطنية لتحرير لبنان من الإحتلال الديمغرافي السوري” وذلك في مؤتمر صحافي يعقد ظهر الخميس 20 الجاري في مقر بيت العامل في جل الديب لتحريك الملف وحث المعنيين في الداخل والخارج على ضرورة وضع ملف عودة النازحين السوريين. في وقت يستعد فيه لبنان لإعادتهم إلى بلادهم بشكل تدريجي، لا تزال هناك أصوات دولية ترفض القرار، معتبرة أن الظروف غير مواتية لهذه الخطوة وأن الأجواء غير آمنة.

ما يعبر عنه المجتمع الدولي بشكل واضح وصريح من قبل لجان العفو الدولية وغيرها من المؤسسات التابعة للأمم المتحدة، أو من الدول الغربية لجهة الخوف من أن يكون لعودة اللاجئين ردود فعل من النظام لجهة اعتقالهم أو الضغط عليهم، أو الحد من الحريات العامة، مع العلم أن جزءا كبيرا من هؤلاء الناخبين سبق أن انتخبوا في مبنى السفارة السورية في لبنان وصوتوا لصالح الرئيس بشار الأسد لم يعد مبررا.

والسؤال الذي بات يطرح نفسه عشية ذكرى خروج الجيش السوري من لبنان في 26 نيسان 2005 ، هل من إمكانية لعودة النازحين السوريين ومتى تدق ساعة الرحيل؟

المدير التنفيذي ل”ملتقى التأثير المدني” زياد الصائغ يؤكد لـ”المركزية” أن “عودة النازحين السوريين حتمية، وهناك  600 ألف نازح على أهبة الإستعداد للعودة  في هذه اللحظة إلى مناطق القلمون والزبداني والقُصَير إلا أن من يمنع ذلك قوى الأمر الواقع الموجودة هناك، والتي تحمل أجندات تبدأ بالإيديولوجيّ ولا تنتهي بالمركنتيلي النَّفعِي،  وصولا إلى موضعةٍ جيو-سياسية ديمغرافية من المفيد عدم تجاهلها. والمؤسف أن هناك  فريقا لبنانيا متورطا في هذا، وقد أجهض مع حلفائه إنتاج أي سياسة عامة تنظّم وفود النازحين ووجودهم ، مع دراسة القدرة الإستيعابية للبنان منذ العام 2012، وهؤلاء يخوضون شعارات شعبوية ديماغوجية، ويعاكسونها بأدائهم”. ويستطرد” في فمي ماء”.

ثمة من يربط بين الإتفاق السعودي- الإيراني برعاية صينية، والتقارب السوري-السعودي الذي أثمر قبل انتهاء مهلة الشهرين المعطاة لإيران لإظهار حسن النوايا والإلتزام بشروط الإتفاق، بوضع الركائز لإعادة فتح السفارة الإيرانية في المملكة العربية السعودية ، وبين عودة النازحين السوريين.  

وفي هذا السياق يشير الصائغ:” إلى موجب فهم تعقيدات هذه القضية من خلال الإضاءة على مؤشرات تشي بأن اللاعودة تحبّذها قوى الأمر الواقع في سوريا، بالإستناد إلى معطيات، ومعوِّقات. أما الكلام عن مؤامرة كونية فمن قبيل ذرّ الرماد في العيون”.

ويضيف جازما بأن ” العودة حتمية ببعديها الأخلاقي والقانوني” وتمنى من الذين يتكلمون في هذه القضية “أن يعودوا إلى العلم لا إلى شعارات تُجهِّل الفعَلة الحقيقيين الذي يضعون العصي في دواليب العودة”.

وفي ما يُعنى بدور المجتمع الدولي يؤكد الصائغ ان الأخير “فشل في إنجاز حل سياسي في سوريا وهو مسؤول عن وضع هذه القضية على طاولة حوار حيث يجب، وللديبلوماسية اللبنانية الغائبة إلا عن الشعارات دورٌ أساسي في ذلك وكان الأجدى لو تبنّت سياسة عامة بدل خطابات فارغة إما توسُّلية أو تسوُّلية أو صدامية”.

“المنظومة الحاكمة أوصلتنا إلى هذا الواقع المأساوي في قضية النزوح” يقول الصائغ ليختم محذراً من أي”استنفار طائفي في هذه المسألة، إذ من شأنه أن يخدم تحالف المافيا-الميليشيا، ويورِّط الشعب اللبناني الضحية في سياقٍ تفجيري، بدل الإنخراط في التعاون مع الأمم المتحدة وعواصم القرار لجعل العودة واقعاً حقيقياً من دون تأخير”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى