اعترافات عميل: صوّرت شوارع الضاحية وأعطيت معلومات عن قيادات
رضوان مرتضى – الأخبار
الحرب الأمنية بين حزب الله واستخبارات العدو متواصلة من دون توقف، وتستمر فيها محاولات العدو تجنيد عملاء في لبنان، بأسلوب واحد تقريباً: الإعلان عن فرصة عمل على مواقع التواصل الاجتماعي، يليه اتصال مع طالبي العمل، ثم الطلب منهم تصوير مناطق معيّنة، فإرسال أموال إلى العميل… مع ملاحظة أمرين: الأول هو أن ضباط العدو لم يعودوا يضيّعون وقتاً طويلاً قبل أن يكشفوا عن هويتهم لمن يتواصلون معهم، والثاني أن بعض المجنَّدين باتوا ينسبون إلى أنفسهم أدواراً مبالغاً فيها لـ«تغلية سعرهم». في الحالتين، الاستخبارات الإسرائيلية ليست جهازاً من الهواة يفضح أفراده أنفسهم أو يسهل خداعهم. ولكن يبدو أن هذا من ضمن استراتيجية يعتمدها العدو لـ«اجتياح» لبنان استخبارياً وإغراقه بالعملاء والوصول إلى أي معلومة ممكنة بأي وسيلة متاحة.
عام 2016، نال أمير ز. (1997) شهادة في العلوم التمريضية من معهد الرسول الأعظم، وعمل في مستشفى الزهراء الجامعي حتى عام 2021، عندما ترك المستشفى ليعمل مندوب مبيعات لدى شركة تبيع مستحضرات تجميل ولوازم الحلاقين في الضاحية الجنوبية لبيروت. هذا ما يعرفه عنه المحيطون به. غير أن أمير أقرّ أمام محقّقي فرع المعلومات بأن عمالته للعدو تعود إلى عام 2017، عندما قرأ إعلان توظيف على «فايسبوك» لشركة تُعنى بتحويل الأموال. قدّم طلباً، لتصله بعد يومين رسالة على بريده الإلكتروني تتضمّن شرحاً لطبيعة العمل الذي يتضمن تحويل الشركة الأموال له ليعاود تحويلها إلى أشخاص آخرين يتم تزويده بأسمائهم، مقابل عمولة على كل عملية تحويل.
بعد أيام قليلة، تواصل معه أحد الأشخاص عبر الماسنجر وأبلغه أنّه سيكون صلة الوصل مع الشركة وحوّل إليه 750 دولاراً طالباً منه أن يقتطع 100دولار عمولة لنفسه، ويحوّل الباقي إلى بعض الأسماء. بعدما أدى المهمة، تواصل معه الشخص نفسه، طالباً منه مزيداً من المعلومات الشخصية، وخصوصاً تأكيداً منه ما إذا كان يسكن في الضاحية الجنوبية، وعندما أكّد أمير ذلك، وأنه من سكان حي السلم، فاتحه المتصل عما إذا كان مستعداً لتزويده بمعلومات حول مناطق حزب الله مقابل بدل مادي، فوافق. وقال أمير في إفادته: «في اليوم التالي، حوّل لي 2500 دولار. بدأنا نتبادل الحديث عبر الماسنجر حوالي ثلاث مرات في الأسبوع. سألني عن جميع أقاربي وأسمائهم وعناوينهم ووظائفهم وانتماءاتهم الحزبية… كما سألني عن الانتماءات الحزبية للبيئة التي أسكن فيها، وعن انتمائي الحزبي. وعندما قلت له إنني منتسب إلى التعبئة التربوية في حزب الله وفي صدد متابعة دورة جنود وأنصار واحد وأنصار اثنين في الحزب، حتى أبدى اهتماماً أكبر…».
علماً أن المشتبه به لم يكن يوماً في التعبئة التربوية أو عضواً في أي إطار تابع لحزب الله، وتؤكد معلومات «الأخبار» أن ادّعاءه هذا كان بهدف كسب ثقة المشغّلين ورفع قيمة البدلات المالية التي يريدها مقابل معلومات كان يعمل على تضخيمها لإيهام المشغّل بأنه يحيط بكثير من التفاصيل، وهو ما دفع إلى تطوير العلاقة به وتوسيع دائرة الطلبات منه.
وأبلغ أمير المحققين أن المشغّل استعلم منه عن مجمّعين سكنيين تغلق مداخلهما عوائق حديدية في منطقة حارة حريك وهل يسكنهما قياديون في حزب الله، وما إذا كانت هناك مداخل أخرى إليهما؟ «فأجبته أنّ هناك مداخل أخرى يستخدمها الأشخاص ذوو الصفة الأمنية في الحزب… فطلب مني أسماء المحالّ التجارية الموجودة قرب المجمّعين وما إذا كنت قادراً على التقاط صور للمدخل ولعلبة الإنترفون المدوّن عليها أسماء السكان، فتوجهت إليهما على متن دراجة نارية وعاينت محيطهما وأعلمته بأسماء المحالّ، لكني لم أقم بتصوير ما طلب خشية افتضاح أمري».
كذلك أفاد الموقوف أن مشغّله الإسرائيلي سأله عن الأماكن التي يقيم حزب الله احتفالاته فيها، وتحديداً مجمع سيد الشهداء وما إذا كانت له مداخل أخرى غير المدخل الرئيسي، «فأخبرته أنّ هناك مدخلاً خفياً غير معروف، فألحّ في طلب تفاصيل عن ذلك المدخل». كما سأل عن عناصر نقاط التفتيش وهل يحملون أسلحة، وما إذا كانوا يُخضعون الجميع للتفتيش. كما سأل عن الحواجز الموجودة على مداخل الضاحية، فـ«أخبرته أنّ كل حاجز مؤلف من عوائق حديدية، وعلى الأرض يكون في العادة عناصر غير مسلحين، يدعمهم عناصر مسلحون في سيارات تُركن قرب الحواجز.
وأضاف أمير أن المشغّل «سأل عن مراكز حزب الله في حي السلم وإذا كانت هناك شعب تابعة للحزب، فأجبته أنّ دورات ثقافية ودينية تقام في جامع الإمام علي في حي السلم وهو تابع لشعبة الهبّارية، إضافة إلى دروس دينية في حسينية الإمام الحسين التابعة لشعبة الحسينية. كما سأل عن الخيم التي تقام فيها عاشوراء وما إذا كان مسؤولون في الحزب يحضرون إليها». كذلك استفهم المشغّل عن مستشفى الرسول الأعظم ومداخله وعناصر الحراسة وعما إذا كان هناك أي نفق يربطه بأي مجمع آخر، «فأخبرته عن الحراسة وعن وجود نفق يربط المستشفى بمركز القلب الذي يبعد عنه 300 متر». كما سأل عما إذا كانت هناك أنفاق تحت ملعب الراية، وعن عدد مداخل مجمع القائم، «وعندما قلت له إن هناك مدخلين للرجال وللنساء، علّق بأنّ هناك مدخلاً ثالثاً».
وأبلغ أمير المحقّقين أنّ المشغّل الإسرائيلي «عرض عليّ 15 ألف دولار لتقديم معلومات عن السيد حسن نصرالله و ١٠ آلاف دولار لمعلومات عن الشيخ نعيم قاسم». واستفسر ما إذا كان الشيخ قاسم يقيم في مجمع سكني مقابل مجمع السيدة زينب. وسأل عن أرقام سيارات موجودة داخل المجمع السكني وفي مجمع سكني آخر قرب التعاونية الوطنية في حارة حريك. كما سأل عن الشيخ علي سليم والمسجد الذي يتردد إليه ونوع سيارته ولونها «وشدّد على معرفة رقم اللوحة».
المشغّل الإسرائيلي استفسر من الموقوف أيضاً، بحسب اعترافات الأخير، عن مواكب حزب الله، وعن المنشآت التي يستخدمها الحزب لتخزين البنزين والمازوت، وما إذا كان فرع القرض الحسن في منطقة الصفير هو الفرع الرئيسي.
وأقرّ الموقوف بأنّه كُلّف بتصوير فيديو لساحات وشوارع ومبانٍ في الضاحية الجنوبية، كان المشغّل يحددها له. إلا أن هناك مبانيَ ومناطق معيّنة طُلب منه الاعتناء بتصويرها لإظهار أكبر قدر من تفاصيل الشوارع والأبنية والسيارات، ومن هذه الأماكن: مجمع سيد الشهداء، مجمعان سكنيان في حارة حريك، مستشفى الرسول الأعظم وللنفق الذي يربطه بمركز القلب، مجمع الإمام المجتبى، شارع مختبرات الهادي، شارع ملعب الراية، الشارع الممتد من صيدلية المعمورة حتى جامعة المعارف، الشارع الممتد من مدرسة المهدي باتجاه منطقة الحدث، سوق حي السلم، السيارات المركونة في محيط جامع الإمام الباقر في «الأجنحة الخمسة» (طلب منه أن يكون التصوير عصراً)، شارع مستشفى الساحل، بلدية حارة حريك، شارع مركز الدفاع المدني في حارة حريك، محيط مجمع الإمام الرضا في بئر العبد، طريق المطار القديم (من وزارة الشؤون الاجتماعية حتى الفانتزي وورلد)، شارع محالّ أوركا في السان تريز، شارع جبانة الرادوف في الرويس، الشارع المواجه لمستشفى برج البراجنة، شارع مدرسة البيان، شارع الجاموس قرب مدارس الإمام المهدي، شارع روضة الشهيدين. وأقرّ الموقوف أن مجموع ما تقاضاه من مشغّليه الإسرائيليين بلغ 5,750 دولاراً على دفعتين، تسلمهما من شخص سوري في أواخر العقد الثالث في محل لبيع الألبسة في حي السلّم.