محليات

“مقايضة الرئيسين” تُفشل اجتماع باريس.. ولبنان أمام أزمة طويلة

لم يحقق الاجتماع السعودي – الفرنسي، الذي عُقد في باريس أمس، أي تقدمّ بين الجانبين حيال حلّ الأزمة اللبنانية. فالاجتماع الذي عقد عصر أمس بين المستشار في الديوان الملكي السعودي نزار العلولا والسفير السعودي في بيروت وليد البخاري مع المستشار في الرئاسة الفرنسية، باتريك دوريل، انتهى على اختلاف في المقاربات وفي وجهات النظر، لا سيما أن فرنسا لا تزال مُصرّة ومتمسكة بمبدأ المقايضة في الرئاستين الأولى والثالثة، انطلاقاً من تمسكها بترشيح سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية مقابل نواف سلام لرئاسة الحكومة، علماً بأن هذا المنطق مرفوض بالنسبة إلى السعوديين الذين يعتبرون أن لبنان يحتاج إلى علاج جذري وليس علاجاً بالمراهم، ولا على طريقة العلاجات القديمة التي كانت تقوم على الصفقات والمحاصصات. 

ولا يعني المنطق السعودي الذهاب إلى إلغاء أيّ طرف، ولكن تكريس توازن لبناني قائم على رؤية واضحة للخروج من الأزمة، وهذه لها سياقات سياسية، اقتصادية، مالية، اجتماعية وأمنية، وبالتالي لا يمكن حلّها بشكل مفرّق أو مجزأ، لأن الأزمة كلٌّ مترابط. فيما تركّز وجهة النظر الفرنسية على معالجة الأمور تباعاً، أي انتخاب رئيس للجمهورية وبعدها تكليف شخصية برئاسة الحكومة، ليتم تشكيل الحكومة فيما بعد، والشروع في البحث بالملفات الأخرى. وتحاول باريس القول إنها تسعى للحصول على ضمانات من حزب الله ومن فرنجية لإرضاء السعوديين بها. وهذا الأمر أيضاً لا يمكن أن يكون واقعياً، لأن توزيع السلطات في لبنان واضح، فرئيس الجمهورية يبقى في موقعه 6 سنوات، ورئيس مجلس النواب أيضاً يبقى في موقعه 6 سنوات، ولا يتمكن أحد من إقالته. أما رئيس الحكومة فيمكن تغييره خلال أسبوع واحد. وبالتالي فإنّ منطق التوازن في تركيبة السلطة لا يمكن أن يستقيم وفق هذا الطرح. 

كذلك، لا يمكن اعتبار أن مقايضة انتخاب رئيس للجمهورية حليف لحزب الله في مقابل تكليف رئيس للحكومة يكون حليفاً لخصوم الحزب، لأنّ هذه المقايضة تبقى مختلّة في ظل وجود رئيس لمجلس النواب، وهو في الأساس طرف حليف للحزب، بينما ما يفترض أن يجري هو أن تكون السلطة التشريعية محسوبة على طرف، وكذلك بالنسبة إلى السلطة التنفيذية التي تُحسب على طرف آخر، فيكون رئيس الجمهورية هو الحكم، وبالتالي يجب أن تتوافر فيه مقومات الرجل التوافقي والوسطي.

عملياً، انتهى اجتماع باريس على لا شيء، فيما لم يُعرف حتى الآن كيف سيعاد التواصل بين الجانبين، ومَن هو الطرف الذي سيذهب إلى تقديم تنازل في لعبة قضم الأصابع القائمة. لا سيما أن السعودية لا يمكنها أن تتراجع عن هذا الموقف، بالاستناد إلى جملة معطيات، أولها أنها بقيت ثابتة على موقفها من الأزمة اللبنانية منذ عام 2016 إلى اليوم، ولم تغيرّ أو تبدل، حتى عندما بدأت باريس في مساعيها من خلال المبادرة الفرنسية كانت ملاحظات السعودية واضحة حول عدم إمكانية تحقيق هذه المبادرة، وهذا ما حصل. أما باريس فقد تغيرت وتبدلت في الكثير من مواقفها منذ مبادرتها إلى اليوم. ويؤشر فشل الاجتماع إلى أن لبنان سيكون أمام أزمة طويلة، ستبقى انعكاساتها قائمة سياسياً واقتصادياً ومالياً، في ظل الانقسام العمودي الحاد القائم في البلاد. بين من يراهن على الموقف الفرنسي وإمكانية تمرير الاستحقاق الرئاسي، كما تم تمرير انتخاب ميشال عون عام 2016، وكما تم تمرير حكومة حسان دياب عام 2020، بغطاء فرنسي، وبين من يعوّل على الموقف السعودي القادر على تغيير وجهة الأمور بالاستناد إلى جملة معطيات آخرها الاتفاق السعودي – الإيراني.

Related Articles

Back to top button