عامٌ دراسيّ على حافة الإنهيار.. وتلامذة لا يتعلّمون!
سجّلت الثانويات الرسمية 43 يوماً من التعطيل المتواصل نتيجة إضراب الأساتذة، ما يختزل فصلاً كاملاً من العام الدراسي، الذي لم يتبقّ على نهايته إلا أقلّ من 30 يوماً تعليمياً. في المقابل، لا محاولات جدية للحلّ بل ضغوطاً على الأساتذة من مختلف الجهات، من دون أي مبادرة جدية تسمح لهم بالعودة محقّقين مطلباً واحداً على الأقلّ، خصوصاً بعدما وصلت قيمة رواتبهم المضاعفة، أمس، إلى 80 دولاراً.
تختصر أصوات الأساتذة المختنقة قهراً، واقع الحال، وهم يتكلّمون عن وضعهم المادي في زمن يضطرون فيه إلى إقفال بيوتهم، أو تأجيرها وتغيير أماكن سكنهم، بغية تحقيق مداخيل إضافية تمكّنهم من الصمود مادياً إلى آخر الشهر، أو دموعهم المحبوسة وهم يعبّرون عن ندمهم لاختيار التعليم مهنة، بعد اقترابهم من سنّ التقاعد براتب يساوي 30 دولاراً. يسألون «كيف يمكن أن نعلّم بهذه الحالة؟ وأيّ معلومة ننقل للتلامذة؟». ولكن، رغم واقعهم المأساوي، يرفض الكثيرون منهم، على مساحة الوطن تقريباً، أيّ عروض خارجية للمساعدة. يردّونها مع الشكر مرفقة بعبارة «نحن موظفون في الدولة اللبنانية».
تناقض الصور
للوضع التربوي صورتان ومشهد واحد. الصورة الأولى تنقلها المكاتب التربوية للأحزاب المؤيّدة للعودة، والمديرون المحسوبون على هذه المكاتب، حيث لا تقلّ نسب عودة التلامذة إلى مقاعدهم بحسبهم عن الـ90%. لكنّ الحقيقة تبرز مثلاً في زيارة لأحد «دارسي المناطق» في وزارة التربية، للمنطقة المسؤول عنها، إذ ينقل عنه الأساتذة قوله «إنّهم يغرّرون بوزير التربية، ويوحون إليه بأنّ الأمور على ما يرام، بينما الصفوف فارغة!».
أمّا الصورة الثانية فينقلها الأساتذة المضربون، عن ثانويات صفوفها فارغة تماماً، حيث تتوقّف العملية التعليمية بشكل تام من جهة، وتقع الفوضى الشاملة في الثانويات التي يعلّم أساتذتها بشكل جزئي من جهة ثانية، بل وتسجّل «عودة جزء من المتراجعين عن الإضراب إلى صفوف زملائهم المضربين، سيّما بعد ارتفاع قيمة الدولار على منصة صيرفة».
والمشهد واحد
النتيجة في الحالتين، عام دراسي على حافة الانهيار، وتلامذة لا يتعلّمون بشكل الطبيعي للسّنة الرّابعة على التوالي، أقلّه في الثانويات الرّسمية. أما الدولة، بكلّ أجهزتها، فهي إمّا تتفرّج، أو تحاول إعادة الأساتذة بالقوة والحيلة. يرى الأساتذة أن السلطة «تكرّر ما قامت به مطلع العام الدراسي، «تريد شراء الوقت، والادعاء بأنّ الأمور على ما يرام»، مطلقة الوعود التي لم تتحقّق. بل هي تصرّ على استفزاز الأساتذة و«تطلب من أهل المدرسة الرّسمية التضحية تلو التضحية» يقول أستاذ نقابي في بيروت، ويضيف «المطلوب الوصول إلى موعد الامتحانات الرّسمية، التي يقاتل التعليم الخاص للوصول إليها وتمريرها، لا رغبةً في تحقيق إنجاز، بل لسحب آخر دولار من جيوب الأهالي».
أشكال الضغط
ومع إصرار الهيئات التعليمية في الثانويات على عدم العودة، «تُمارس ضغوط هائلة على الأساتذة من قبل الأحزاب والبلديات في المناطق»، بحسب أساتذة من منطقة بيروت، مشيرة إلى «اتصال مندوبي مختلف المكاتب التربوية بكلّ أستاذ على حدة لدفعه إلى الحضور بحجة إنقاذ التعليم الرسمي». وفي بعض الأحيان، عند تعذّر وجود مندوب، يشير أساتذة في القرى إلى «تواصل مسؤولي المناطق والأحياء معهم، في خطوة يجدها أهل المدرسة الرّسمية مهينة ومسيئة»، خاصة وأنّ هؤلاء الأشخاص يستخدمون «لغة وأفعال الأمر».
هذه الطريقة تعيد بعض الأساتذة إلى التعليم، لكن من دون أن تؤدّي المطلوب، إذ لا تعيد تشغيل الثانويات. يحضر التلامذة حصةً أو أكثر، فيما بقية الحصص عبارة عن فراغ، ما يوقع الثانويات في فوضى، فتفتح يوماً، وتعود للإقفال تحت ضغط الأساتذة المضربين من جهة، وعدم زيادة أعباء التنقل على التلامذة من جهة ثانية.
وحرمان الحوافز
بدورها، لا توفر وزارة التربية وسائل «التهديد والوعيد» في محاولة لحلّ الأزمة الحالية، فيُجري موظفوها ورؤساء المناطق التربوية اتصالاتهم بالأساتذة الفاعلين لدفعهم إلى العودة «تحت طائلة المسؤولية». ينتشر مقطع صوتي لرئيس المنطقة التربوية في بعبدا جيلبرت السّخن يقول فيه للمديرين عن الأساتذة المضربين «سنرسل أسماءهم إلى الوزارة لحرمانهم من الحوافز»، محذّراً المديرين من تغطية الأساتذة. إلا أنّ الرّد على السّخن لم يتأخّر، إذ أرسل عدد من الأساتذة رسائل على هاتف رئيس المنطقة تعبّر عن رفضهم الحوافز، والإنذارات، والإهانات، «متمنين له دوام الصّحة، وأن لا يضطر لدخول المستشفى كي لا يشعر بالانكشاف الصحي الذي يعيشونه».