الراعي يُشرِك “العونيين” في مسؤولية تعطيل الرئاسة
كتبت نجوى ابي حيدر في “المركزية”:
بصمت الناسك ، تعمل الدوائر الفاتيكانية مع المعنيين في العواصم الكبرى على محاولة معالجة اوضاع لبنان المهترئة لانتشاله من مستنقع الازمات القاتلة الغارق فيه. وقد شهدت الساعات الماضية زخما على هذا الخط من خلال وجود البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي هناك، في مهمة مزدوجة روحية سينودوسية وسياسية تتمحور حول الخطر المحدق بلبنان واستحقاقه الرئاسي العالق بين فكي كماشة امر عمليات خارجي يأسر المسار الدستوري لمصالحه وعجز وارتهان داخليين يحولان دون انتخاب رئيس اثر ثماني جلسات متتالية.
ومع دخول الاستحقاق شهره الثاني، من دون ان تلوح في افقه بوادر انفراجية، على امل ان تُنتج قمة المكتب البيضاوي في واشنطن جديدا يضع حدا لمسار التعطيل الممنهج، في ظل تواصل فاتيكاني -فرنسي -اميركي استبق انعقادها، صدر موقف حاسم من البطريرك الراعي، يكاد يكون الاول من نوعه لجهة وضوحه في تسمية الاشياء بأسمائها، من خلال رسالة وجهها اليوم الى معطلي جلسات انتخاب رئيس الجمهورية، اذ سأل: “ماذا يعني انكم تأتون الى المجلس النيابي ويتأمن النصاب ثم بعد الدورة الانتخابية الاولى تغادرون القاعة ويُفقد النصاب، فلو لم يتأمن هذا النصاب في الدورة الاولى “محلولة” ولكن ما معنى أن تؤمنّوا النصاب في الجلسة الاولى وتغادرون في الجلسة الثانية؟” وأضاف في حديث عبر اذاعة “لبنان الحر”: “لماذا تفعلون هكذا فقط برئيس الجمهورية المسيحي الماروني فيما رئيس مجلس النواب يُنتخب بجلسة واحدة ورئيس الحكومة يُكلف فور انتهاء الاستشارات النيابية. كأنكم تقولون إنكم تستطيعون الاستغناء عن رئيس الجمهورية”.
ليس الكلام البطريركي طائفيا او مذهبيا، كما يحلو للبعض تصنيفه، ولا هو فئوي يغلّب مصلحة فريق سياسي على آخر، انما منطق كل وطني، يؤمن بقوة القانون والدستور لا بفائض قوة السلاح، تقول مصادر سياسية معارضة لـ”المركزية”. قبله اطلق الراعي مواقف كثيرة في شأن الاستحقاق الرئاسي، داعيا الى انتخاب رئيس سريعا، بيد ان ما قاله من قلب عاصمة الكثلكة بالذات، جاء اشد وطأة واكثر حزماً، اذ شخّص بدقة العطل البنيوّي في المشهد الرئاسي العريض فعرّى المعطلين والمستثمرين في الرئاسة وصوب نحوهم، وهي فئة معروفة، يجمعها عنوان 8 اذار الممانع، ويضم في شكل اساسي الثنائي الشيعي والتيار الوطني الحر، ونواب الفريق هذا، هم الذين يعطلون النصاب بخروجهم من الجلسات النيابية المخصصة لانتخاب رئيس، لدى انتهاء الدورة الاولى في الجلسات، ورئيس المجلس نبيه بري يعرف قرارهم سلفا، لدرجة انه يعلن فقدان النصاب حتى قبل خروجهم من القاعة.
واذا كان نواب الفريق الشيعي، يعطلون جلسات الانتخاب لعدم رغبتهم في انتخاب الرئيس المسيحي، كما المح البطريرك، فماذا اذا عن نواب ” لبنان القوي” المسيحيين “الاقوياء”الذين يهرولون من القاعة، ما ان تنتهي عملية فرز الاصوات؟ وهل لهؤلاء دور ايضا في تعطيل الرئاسة ام ان اصوات جمهور الحزب التي امنت وصول معظمهم الى الندوة البرلمانية في انتخابات ايار 2022 تحتّم عليهم الامتثال لأمر طاعة قائد الجمهور اياه؟
وتسأل المصادر المعارضة هل تعمّد الراعي، بعدما عجز عن اقناع هؤلاء بوجوب انتخاب رئيس، كسر الجرة، والاضاءة على دورهم التعطيلي الخطير من خلال تصويب سهامه المباشرة نحوهم، وهو ما يذكّر عمليا بحقبة تاريخية مشابهة تماما، في نهاية ثمانينات القرن الماضي حينما “هاجم” العونيون بكركي عام 1989 واقترفوا ما اقترفوا في حق سيدها انذاك البطريرك الراحل نصرالله صفير،لان مواقفه لم تعجبهم، والتاريخ ما زال يشهد على الواقعة؟
تربط المصادر المشار اليها هنا، بين الكلام الراعوي، بما تضمن من انتقاد مباشر وبين مكان صدوره تحديدا من روما التي يتواجد فيها ايضا وزير الخارجية والمغتربين عبدالله بو حبيب، وقد التقى أمين سر دولة حاضرة الفاتيكان الكاردينال بيترو بارولين الذي أبدى قلقه الشديد لعدم توصل البرلمان اللبناني الى انتخاب رئيس جديد للجمهورية، لتؤكد ان الموقف لم يطلق هباءً، وليس صدفة اطلاقه خلال وجود الراعي في الفاتيكان بعد جولة مشاورات سياسية ودبلوماسية اجراها مع المسؤولين هناك، انما يعكس رغبة وتصميما على نقل الاستحقاق الرئاسي من حال المراوحة السلبية الى التفعيل، لان ما تمر به البلاد اليوم خطير لدرجة تفرض حتمية الكفّ عن مراعاة الخواطر ومسايرة كل من يتحمل مسؤولية المشاركة في “جريمة” منع انتخاب رئيس جمهورية للبنان، مهما كانت العواقب، تختم المصادر.