محليات

باسيل يفتح معركة المواجهة الكبرى

مالئ الدنيا وشاغل الناس… باختصار هذا هو واقع رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل اليوم. فبعد ست سنوات من عهد الرئيس ميشال عون وما رافقها من أزمات وثورات وهجوم على شخص باسيل، خالف الرجل توقعات خصومه ولم يدخل في عزلة سياسية طويلة الأمد بفعل الضربات التي تلقاها لاسيما بعد ثورة 17 تشرين كما حلل البعض، بل انطلق نجمه وعلى عكس كل التوقعات وبات الممر الالزامي لأي مرشح رئاسي يريد دخول قصر بعبدا.

يعمل باسيل وفق أجندة بعيدة عن كل ما يُثار في الاعلام، وببنود اختارها الرجل لتساعده على تكريسه زعيما مسيحيا تمكن من فرض نفسه بعيدا عن سياسة الحروب والدم التي خاضها خصومه، ورغم كل التقلبات التي يعكسها و”النتعات” التي يرتجلها في اطلالاته الاعلامية أو مع بعض المسؤولين في تياره، الا أنه يُدرك متى يقطف الربح وأين يتراجع عند خسارته المعركة في حربه السياسية الدائمة.

على مستوى التيار الوطني الحر، بدأ باسيل حملة تطهير واسعة ستظهر في الانتخابات الداخلية. ويتسلح الرجل بكوادر شبابية انتمت الى تيار باسيل لا ميشال عون، وما شجعه على اتخاذ تلك الخطوات مفاعيل القرارات التي صدرت بحق الكثير من القياديين السابقين وآخرهم كان النائب السابق زياد أسود، اذ وبعكس التوقعات لم تتأثر الحالة الشعبية للتيار بها، بل عرَّت القياديين الذين تحولوا الى حالات فردية لم تُفلح باستقطاب الناشطين أو المحازبين.

يسعى باسيل الى تعزيز نفوذه داخل التيار الوطني الحر لاخراج “الفلول العائلية” والتوجه نحو جيل الشباب الذي انخرط في التيار مستلهما من تجربة الآباء الذين واكبوا مسيرة ميشال عون حين كان قائدا للجيش في معركة الالغاء والتحرير قبل نفيه الى فرنسا. يُعول باسيل على هذه الفئة الشبابية لترسيخ زعامته ومنع أي انشقاق حزبي في حال غاب “الأب الروحي”. وقد أشار باسيل في اطلالات سابقة الى أنه سيتفرغ للتيار الوطني الحر الذي يحتاج الى آلية تنظيم بعد كل الانتكاسات التي أصابته.

وفي حال نجح باسيل باختبار أهل البيت، وتمكن من ضبط الايقاع التنظيمي لتياره كما يريد وحصنه من أي انشقاقات مستقبلية، يمكن عندها الخروج لمقارعة الخصم وجها لوجه مُحَصَّنا بقاعدة شعبية متينة. اما في حال فشلت المهمة، فعندها ستتغلب فكرة “الحرس القديم” على مشروع الحداثة داخل التيار، وفي السياق يبدي البعض مخاوفه من مشهدية وداع الرئيس ميشال عون من بعبدا الى الرابية حيث طغى الرعيل الاول لهذا الحزب على الوجوه الشبابية التي يجذبها خطاب القوات اللبنانية في هذه الظروف.وعلى خط مواز، يفتح باسيل بدعم من حزب الله قنوات التواصل مع الخارج وتحديدا الدول المؤثرة في الملف اللبناني. ولا شك بأن ملف ترسيم الحدود الذي لعب باسيل دورا مهما في تسهيل مهمة المبعوث الاميركي آموس هوكشتين فتح لرئيس التيار نافذة على بعض الدول ومنها الولايات المتحدة الاميركية التي يتواصل باسيل مع بعض المسؤولين في البيت الابيض عبر نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب لرفع العقوبات عنه في الاشهر المقبلة في حال بدأت التسوية في المنطقة من بوابة الملف النووي الايراني، وقد ساعدت تسهيلات باسيل النفطية في عهد الرئيس ميشال عون على كسر جليد العلاقة مع الخارج وبدعم من حزب الله، وتأتي زيارته الى قطر وفرنسا لانهاء ما تبقى من بنود تتصل باتفاق الترسيم وتفاصيل الحصص في هذا السياق، اضافة الى البحث مع المسؤولين هناك في الملف الرئاسي مكرسا نفسه كرئيس كتلة نيابية وازنة وتربطه علاقة استراتيجية بحزب الله الناخب الاول في أي استحقاق دستوري.

يؤسس باسيل في جولته التي ستشمل دولا عدة لمستقبله السياسي البعيد عن العباءة “العونية” بمفهومها التنظيمي، ويسعى الى حجز مكان للتيار داخل الشارع المسيحي يُزاحم من خلاله حزب القوات اللبنانية، حيث يطمح وزير الطاقة السابق الى تحسين وضع التيار عبر التمسك بجزء من ادارة البلاد من جهة ولعب دور المعارضة بوجه من يمسك بالجزء الآخر، ففي الاولى يعزز تواجده في السلطة وما لذلك من أثر ايجابي على وضع التيار، أما في الثانية فيضرب على الوتر الذي يستقطب عطف التياريين له، وهنا يأتي هجومه المستمر على الرئيس نبيه بري واتهامه بحماية المنظومة الفاسدة في إطار شد عصب المحازبين الذي يجدون برئيس حركة أمل رأس الفساد في الدولة.يُغامر باسيل في لعبة الشطرنج اللبنانية، فأي حركة خاطئة لحجره قد تنقلب عليه وتعيده الى الوراء خطوات، أما في حال نجح في أدائه فعندها سيكون باسيل الرقم الصعب مسيحيا ومنافسا قويا لزعماء الاحزاب الأُخرى التي خاضت حروبا على مدى أعوام لتكريس زعامتها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى