الحزب ضَمَنَ دوره ووجوده بعد الترسيم…هل “يخلع” غطاء التيار؟
خلافا لكل القوى السياسية المتجهة صاروخيا نحو التصعيد، والتيار الوطني الحر في مقدمها بعدما فتح نيرانه في مختلف الاتجاهات وركزّها في شكل مباشر اليوم على الرئيس نجيب ميقاتي، ينحو حزب الله نحو التهدئة، باعتبارها ضرورة لتمرير مرحلة الشغور الرئاسي والشلل الحكومي المستحكمين بالبلاد. فمن يراقب مسار الحزب سياسيا منذ مدة، وتحديدا في آخر مراحل مفاوضات ترسيم الحدود البحرية مع اسرائيل، يتأكد ان لغة الحزب واداءه تغيرا في العمق.ثمة من يعتقد ان التغيير نتاج الفراغ والحرص على الاستقرار لعدم انزلاق البلاد الى فوضى امنية. لكن بمراجعة تاريخية لسنوات قليلة، يتأكد ان نهج الحزب في زمن الفراغ ما بين عهدي الرئيسين ميشال سليمان وميشال عون لم يرقَ الى رغبة التهدئة بشيء، لا بل كان عاصفاً. هو عطل الرئاسة لعامين ونصف العام حتى “كعّى” القوى السياسية فاوصل مرشحه الى بعبدا، غير آبه بكل تداعيات الفراغ والحث الدولي على انتخاب رئيس.
يبقى اذا ملف ترسيم الحدود، فهل من ارتباط بينه وبين سكينة الحزب وادائه “الرايق”؟
مما لا شك فيه ان الحزب بعد الترسيم هو غيره قبله. فالدور الذي لعبه خلف الكواليس خلال المفاوضات وصولا الى التوقيع ليس خفياً. وقد قالها امينه العام حسن نصرالله بالفم الملآن في خطابه “المهمة انجزت”.
كيف؟ يبدو الجواب شديد الوضوح، فالضمانة الامنية طلبتها واشنطن وتل ابيب من الحزب حكماً وليس من الدولة، ليقينهما ان من يملك ورقة الامن في لبنان هو الحزب، باعتباره غير خاضع لمقولة “قرار الحرب والسلم في يد الدولة”. اذا، ضمَنَ الحزب لنفسه ورقة تكاد تفوق اهمية دور المقاومة الداخلي، كونها حجزت مقعدا متقدما له في صيانة ملف الترسيم، لن تؤثر فيه تهديدات بنيامين نتنياهو، فالضمانات الاميركية اكثر تاثيرا وفاعلية. اما ماذا بعد؟ هنا، يغيب الجواب وتحضر التكهنات. هل ثمة في اتفاق الترسيم ما بقي مستورا، بحيث لم يعد الحزب بحاجة الى “اغطية” سياسية وطائفية من الداخل لتبرير استمرار وجوده كمقاومة واحتفاظه بالسلاح، الى حين تدق ساعة التسويات الكبرى في المنطقة فينخرط في مشروع دولة لبنان ما بعد التسوية الكبرى؟ قد يكون الجواب نعم، بحسب ما تقول مصادر سياسية لـ”المركزية”، ذلك ان الحزب العامل على اعداد وثيقة سياسية جديدة، بحسب ما تفيد مصادره، يتجه على الارجح الى تغيير خريطة تعاطيه السياسي في الداخل بالابتعاد تدريجيا عن قوى التوتير والمشاكسة لمصلحة صيانة التهدئة، وهو ما يبرر تمسكه برئيس تيار المردة سليمان فرنجيه، مرشحه غير المعلن، البعيد من ساحة التوترات والسجالات، وقد طلب نصرالله في لقائه الاخير مع باسيل تأييده فرفض، طارحا الاتفاق على مرشح ثالث.
تعتبر المصادر ان الحزب إن أمن التوافق على فرنجيه في اطار معادلة “الرئيس لنا ورئيس الحكومة لكم”، قد يكون في طور التخلي عن باسيل بعدما ادى واجبه الى الحد الاقصى تجاه التيار بإيصال رئيسه الى القصر وتأمين كتلة نيابية وازنة له في الانتخابات، ركنها الاساس اصوات الشيعة، فيما امّن لنفسه الترسيم ضمانة استمرار الدور والسلاح.
كل ذلك يحصل فيما باسيل لم يعلن بعد ترشحه رسمياً، وفريق 8 اذار لم يتفق على مرشح قد يخرج الرئيس نبيه بري ارنبه من قبعته في اية لحظة، وهو ليس حكما باسيل، الذي لا يمكن لبري ان “يهضمه” وليس الحزب في وارد “بيع” بري كرمى للحليف المسيحي ثانية، وقد سلّفه اكثر مما استدان منه. فإن اعلن باسيل ترشيحه، قد يذهب الحزب في اتجاه آخر هذه المرة، وهو بدأ يستشعر اشارات غير مريحة من باسيل، بحسب المصادر. وإن توافقت القوى السياسية على مرشح يحظى برضى الغالبية، وهو من ضمن ارانب بري المستترة راهنا، قد يؤيده الحزب ولو بقي التيار يغرد وحيدا خارج التوافق.
حقبة ما بعد الترسيم ليست كما قبلها صحيح. وما بقي مكتوما في طياتها من شأنه تغيير معطيات كثيرة وانشاء تحالفات جديدة تتواءم وطبيعة حقبة ما بعد التسويات، تختم المصادر…فانتظروا!