افرام: “هل يهتم الإعلام في العالم العربي بقضيتنا؟”
نظمت المديرية العامة للثقافة والفنون السريانية في حكومة إقليم كوردستان العراق، في مدينة عنكاوا في أربيل مؤتمر الإعلام السرياني بدورته الثانية، وقد اختتم مساء يوم الاثنين الموافق 26 أيلول 2022.
حضر المؤتمر ممثلين عن حكومة الاقليم، واصحاب النيافة والسيادة وعدد من الاباء الكهنة الافاضل فضلا عن مشاركة عدد من مسؤولي الاحزاب والمسؤولين الإداريين والحكوميين وممثلي منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الإعلامية وحضور غفير من الإعلاميين والأكاديميين والمهتمين بالإعلام السرياني.
وشارك في المؤتمر أيضًا رئيس الرابطة السريانية في لبنان حبيب افرام، وكانت له كلمة بعنوان “هل يهتم الإعلام في العالم العربي بقضيتنا؟” حيث جاء فيها:
لا القضية تموت ولا صوتنا يُبحّ!
لكن!
“عندما تقرر أن تبدأ الرحلة
سيظهر الطريق”.
يقول “جلال الدين الرومي”
تعود اليها عنكاوا والشوق الغلاّب يَسبقك، تفتش عن ظل أصدقاء و رفاق، وعن بقايا قضية
شعب وأوطان مثقلة بالجراح، يكاد اليأس يحتلك ومع ذلك تأتي لتشارك في جرعة الأمل،
تعطي عصارة تجربة ونضال وتستمد ربما من هنا الزخم والرجاء.
ليس عابراً أن تدعو المديرية العامة للثقافة والفنون السريانية الى هذه الندوة،
وهنا لا بدّ لي أن أتذكر الدكتور سعدي المالح مديرها الأسبق وكأن روحه معنا.
على مرمى حجر من آخر إبادة تعرضنا لها: لأنها بادرة ضوء
المشكلة أولاً في من نحن؟ وثانياً في ما نريد؟ وثالثاً كيف نسوّق له في الإعلام؟
إنها حربنا مع أنفسنا حرب مع الذات، حرب على أمراضنا.
من نحن؟ شعب أم شعوب، أم كنائس، أم قوميات، ما هي هويتنا الأصلية، بأي تسميات، ماذا نريد؟ وطناً لنا؟ أين؟ وعلى أي أرض؟ بأي مساحة؟ من يسكنه؟
ما هي مقوماته، اقليم واحد أو أكثر في هذا الشرق؟ أم مواطنة مساواة حقوق سياسية أو ثقافية؟
هل لدينا حرية الرأي والقرار والفكر؟ هل لدينا إمكانيات عملنا من كادرات و مال وبشر؟
هل نحن قيمة مضافة في الشرق؟ سكّره و ملحه؟ أم الأفضل أن يرتاح منا؟
هل قدرنا ستوكهولم وشيكاغو ونفتش أبداً على جواز سفر وسماء جديدة؟
هل شرحنا قضيتنا؟ ولماذا الإعلام العربي والغربي يتجاهلنا؟
أصلاً مساحة الحرية في هذا الشرق واهية، والإعلام فيه ممول بأغلبيته الساحقة.
أما من الحكومات والأنظمة أو من المنظمات، وهي بمجملها في تكوينها وتاريخها ونظرتها لا تفهم لغة التنوّع والتعدد وحقوق الإنسان والجماعات.
العاملون في هذا الإعلام أيضاً بمجملهم منتمون فكراً الى أحزاب احادية شمولية.
إعلام الشرق يركز على أولوياته، على أجندته، على خبر إضافي، أي رأي مختلف، عبء لا ضرورة له، داعش ومعاناتنا نحن معها ليست خبراً مميزاً، إختطاف راهبتين في نيجيريا؟ هل يعرف أحد إسم المطرانين المغيّبين وسرّهما؟ فكرة الشراكة في صناعة قرار وطني كلها غير مطروحة.
فكرة أننا نحن مضطهدون غريبة، أصلاً تعتبر كل شعوب المنطقة و مكوناتها انها هي في قلب الإضطهاد: السّنة مستنزفون، الشيعة ضحايا منذ كربلاء، الأكراد بلا حقوق مذ كانوا، العلويون الدروز، اليزيديون في المركب نفسه، أما إعلام الغرب فهو غارق في مصلحة النفط والرفاهية وإسرائيل فلا مبادىء له، نحن ثقل عليه فقط.
ماذا نفعل؟
قبل أي شيء أن نؤمن اننا لم نمت بعد، وان لدينا في كل هذا الشرق قضية عنوانها حق كل إنسان وكل جماعة بالحرية والمواطنة والمساواة، مع كل المكوّنات دون إستثناء.
شرق مختلف بعقل جديد و منطق جديد.
لا حلول لنا وحدنا، ونحن غير قادرين على فرض حل.
على الأقل فلنعترف أن علينا ان نبقى رغم، كل الجراح، والحروب، اذا تركنا، كل هذا الضجيج لن ينفع أبداً سنكون متحفاً، او ذاكرة، أو عظام أجداد متروكة و حضارة ذبُلت.
وعلينا أن نخفف من معارك زواريبنا الغبية، ولهاث بعضنا على وهم سلطة، وان نتطلع الى هدف واحد، قابلين فروقاتنا وآرائنا المتنوعة.
ولأن العالم ينزح نحو نوع جديد من الإعلام وهو لا يحتاج الى مال كثير، لأنه أرخص ومتوفر من : twitter, instagram, whatsapp ,facebook, tiktok
أدعو الى أن نتشارك لتشكيل رأي عام موّحد حول قضية كبيرة هي حقنا بالحياة الحرة الكريمة كلون محبب في هذا الشرق، يجب أن لا نبقى مفتتين هكذا، ومتفرقين هكذا، كنشطاء كمناضلين ولنتعلم من تجاربنا و إنكساراتنا وفشلنا.
أدعو أن نستمرّ في الجيل الجديد الذي نتحداه ليثور في إنتفاضة فكرية على كل الموروث والوسائل التقليدية التي إعتُمدت.
أدعو الى إعلام حرّ جريء يجاهر بالحقيقة وبالحقوق دون تزلّف ولا ذمّية ولا مغالاة.
أدعو الى إعلام حول الغد والبقاء وفرص العمل والمدرسة والجامعة وهواجس الشباب وليس الغوص فقط في الماضي السحيق و التغني بما كان.
أدعو الى إعلام غير ببغائي، مع المحافظة على هويتنا، ان نُظهر أين مصلحة العرب والكرد و الأتراك والغرب معنا،
أدعو الى تطوير إعلامنا، ليس فقط لنتنافس حول زعامة شعبنا، بل لربح رأي عام عالمي.
أدعو الى التأكيد ان قضيتنا ليست فقط حريات دينية بل حقوق شعب، وليست تراث كنيسة بل مصير أمة، أدعو الى تحميل مسؤولية تاريخية الى الأكثريات في المنطقة والى كل العالم.
أدعو الى طرح على مستوى الشرق كله لا كقبائل صغيرة على مستوى مخاتير أحياء أو ديكور لسلطة تدّعي أنها تحمينا.
أدعو إعلام الإغتراب الى الإفادة من هامش الحرية والرخاء الإقتصادي لبلورة رؤية قابلة للتسويق.
أما كيف نغيّر في الإعلام في المنطقة؟
فعبر الكتابة والظهور و تكثيف الحوار ومحاولة كسر النمطية والدكتاتوريات والى تشغيل العقل والممارسة الأحادية، عبر الإنغماس في حركة الشرق الجديد.
سنخسر حتماً إذا واجهنا كآراميين فقط، أو آشوريين فقط أو كلدان فقط، أو سريان فقط، أو موارنة فقط، نربح ربما إذا توحدنا في الهدف بلا تقوقع ولا حروب عبثية.
نحن في قلب صراعات هوية وحدود ومصالح، ولا أحد يهمه مصيرنا، علينا أن نكون حكماء.
لا نكون أدوات لأحد، ولا أحصنة طروادة لأحد.
أقترح أخيراً إنشاء منصّة فيها عصارة أخبارنا باللغات الإنكليزية والفرنسية والعربية والسريانية، تكون مرصداً دائماً للتنوّع والتعدد ومحاكاة حقوق كل إنسان وللدفاع عن كل
مضطهد، و تقريراً يومياً عن أحوال شعوبنا، على أن تكون جهداً مشتركاً بينن بكل وسائلنا، ومرجعاً لنا كلنا، وأقدّم بيروت عاصمة النور.. رغم إختفاء الكهرباء لتكون حاضنة لهذا المشرق.
وانا الآتي من لبنان الجريح، الذي إنهار نظامه ورسالته، وتخلى موارنته عن ريادة الفكر المشرقي والدور، نبقى نؤمن بعلامات رجاء، ألم يقل تلميذ المسيح له “أبقَ معنا “؟
وها أنا كأني أسمع صوته لنا “ابقوا معي” و ابقوا في الشرق.