ملف الترسيم يسلك درب الخشونة الناعمة… إيجابيات وحذر شديد
جاء في “الراي الكويتية”:
… «منتهية» و«مهما تأخّر (أسابيع قليلة)، جايي» عنوانان يسودان أوساطاً قريبة من «حزب الله» وحلفائه في لبنان، في مقاربتها ملف الترسيم البحري مع اسرائيل في ضوء زيارة الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين لبيروت وتبلُّغه موقفاً موحّداً تحت سقف «وصلنا إلى آخِر الخط» في التراجعات.
وارتكزت هذه الأوساط في اقتناعها بأن ملف الترسيم اقترب من خواتيمه وفق الشروط اللبنانية لجهة التمسك بالخط 23 + جيْبٍ جنوبه يضمن كامل حقل قانا المفترض لـ «بلاد الأرز» مع رفضِ أي قضمٍ إسرائيلي لمساحةٍ تعويضية شماله أي داخل منطقة الـ860 كيلومتراً مربعاً (بين الخطين 1 و23)، إلى مسألتيْن:الأولى تستند إلى صورة «ماكرو» لِما يحوط بهذا الملف، وقوامها أن أوروبا والولايات المتحدة مستعجلة بت هذا الملف وتحرير التنقيب (في لبنان) والاستخراج (في كاريش وغيره) ربْطاً بصراع الطاقة الذي باتت له أبعاد عالمية تتصل برقعة النزاعات الإقليمية والدولية، كما أن العالم صارت له أولويات قصوى خارج الشرق الأوسط وفق ما تعبّر عنه الحرب في أوكرانيا وعليها والمخاطر العالية لانفجارٍ بين الصين والولايات المتحدة على خلفية زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي لتايوان، وشرارة التوتر بين كوسوفو وصربيا وغيرها من البؤر المتأججة.والثانية تنطلق، وفق الأوساط غير البعيدة عن «حزب الله»، من وقائع ميدانية ثبّتت معادلات ردْعٍ، كان الحزب في أساسها وليس أقلّها وضْع خيار الحرب على الطاولة تحت سقف «لا غاز من كاريش وكل الحقول الإسرائيلية من دون غاز من قانا والإفراج عن التنقيب في البلوكات اللبنانية» مع تأكيد أن كل المنصات في اسرائيل «في مرمى المقاومة»، والتلويح بالذهاب بهذه «المخاطرة حتى النهاية»، لدرجةِ أن وهجَ سلاحِ الحزب بات كفيلاً بجعْل الاسرائيلي يبْني حساباته بناء على هذا المعطى، في الوقت الذي لا تريد تل أبيب حرباً تعلم أنها ستكون بمثابة ضغطٍ على «زر النووي» الإقليمي.ووفق هذه القراءة، تشير هذه الأوساط إلى تقديراتٍ «محسوبة» بأن الاسرائيلي الذي سلّم بالخط 23 + وبحصول لبنان على كامل حقل قانا، سيكون مضطراً لمزيد من التنازلات التي تحرمه أي مقابلٍ سواء عبر خط متعرّج يقتطع من «البلوك 8» اللبناني، أو شراكات أو تقاسُم ثروات أو أرباح، وهو الموقف الذي أبلغته بيروت إلى هوكشتاين ليبْني الإسرائيليون على الشيء مقتضاه.
وبحسب الأوساط نفسها، فإن وحدة الموقف الرسمي كما عبّرت عنها صورة اللقاء الرئاسي الثلاثي مع هوكشتاين أول من أمس، بالتوازي مع تعميق «حزب الله» ما يعتبره توازن رعب، سيكون كفيلاً بانتزاع كل مطالب لبنان، ولو تطلّب الأمر بعض الوقت من الاسرائيليين الذين سيحرصون على تظهير أي تراجعاتٍ إضافية على أنها تحت ضغط الأميركيين وليس «تهديد» الحزب.وفي رأي مصادر متابعة أن كلام الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله الأخير حول «اللحاق بالكذّاب»، يعكس قراراً من الحزب بإنهاء ملف الترسيم انطلاقاً مما يقول إنه «فرصة ذهبية» من شأنها أن تتيح له هوامش أكثر أريحية في إدارة الواقع اللبناني الذي يتخبط في الانهيار المالي، بعيداً من مساراتٍ ترهن مَنافذ الإنقاذ بخصومه الإقليميين والدوليين فيتحرّر هو كما حلفاؤه من أعباء سياسية، ويتفرّغ للمزيد من الإطباق على الوضع الداخلي ولسنوات إلى الأمام، عبر استحقاقاتٍ دستورية تبدأ من رئاسة الجمهورية التي يقترب موعد انتخاباتها من دون أن يكون حتى الساعة «في الميدان غير سليمان» أي رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية الحليف الوثيق الصلة بالحزب.
وفي مقابل هذا المناخ، تُبْدي مصادر أخرى حذراً شديداً حيال أي «سوء تقدير» للحظة الإقليمية و«قدرة التحمّل» الإسرائيلية، معتبرة أن الأيام المقبلة ستكون كفيلة بتظهير المدى الذي ستبلغه تل أبيب في مقاربة الموقف اللبناني الذي كان محور بحث بين هوكشتاين والمسؤولين الإسرائيليين ليل الاثنين حيث تبلغوا ردّ بيروت على ردّ تل أبيب على اقتراح الخط 23 +.ووفق موقع «واللا» الإسرائيلي، فإن زيارة المبعوث الأميركي لتل أبيب قادماً من لبنان أبقي عليها تحت غطاء من السرية، وأن هوكشتاين التقى مع فريق التفاوض الإسرائيلي، وكذلك رئيس الحكومة يائير لبيد، دون أن يتم كشف النقاب عما دار في اللقاء والمحاور التي جرت مناقشتها، ومن ثم عاد هوكشتاين إلى الولايات المتحدة.
وإذ اعتبر الموقع أن زيارة هوكشتاين السرية لإسرائيل تشير إلى تقدم في المحادثات وسعي الجانبين الإسرائيلي واللبناني، للتوصل إلى اتفاق في شأن قضية الحدود البحرية في أسرع وقت، فإن وسائل إعلام لبنانية استوقفها تَعمُّد الوسيط الأميركي دخول اسرائيل عبر معبر الناقورة الحدودي في سابقةٍ تم ربْطها بالرغبة في توجيه رسالة في غمرة تحوّل هذا المعبر محور توتر داخلي على خلفية توقيف المطران موسى الحاج عليه في طريق العودة من زيارة «الأراضي المقدسة» ومصادرة جواز سفره ومساعدات مالية كان يحملها، وصولاً لمطالبة نصر الله بقفل المعبر أمام أي استثناءاتِ عبورٍ لرجال الدين.
وفي رأي المصادر، أن من الصعوبة تَصوُّر إمكان خروج تل أبيب خالية الوفاض من المفاوضات المضنية ومن دون تعويضٍ ما عن تخليها عما «خصّصه» لها خط فريديرك هوف الذي قسم منطقة النزاع بين الخطين 1 و23 وفق صيغة 55 في المئة للبنان و45 في المئة لتل أبيب، ثم خط هوكشتاين الذي انطلق من الخط 23 ثم انحرف شمالاً ليُلاقي ما رسمه هوف ويقضم جزءاً من البلوك 8، وسط توقفها عند ما أعلنه نائب رئيس البرلمان إلياس بوصعب (مكلف من الرئيس ميشال عون ملف الترسيم) من أن هوكشتاين بات يعرف موقف الطرفين ويتعيّن عليه «طرح التصوّر الذي يقتنع به ويكون حلّاً للطرفين، وهكذا يصبح أسهل عليه أن يُقْنِع الفريق الآخر بالطرح الذي يقدّمه كوسيط معتمَد من الطرفين، ونعتقد أن الحلّ لن يكون بعيداً عن موقف لبنان».
كما أثار بو صعب «حصة لبنان من البلوك 9 بغض النظر عن شركة توتال وحصتها وأرباحها ونحن غير معنيين بها»، وقال: «نحن وقّعنا مع توتال اتفاقيةً واضحةً تقول ما هي حصتنا من البلوك 9 الذي منه سيصير الحفر إلى حقل قانا، لكن تحت الماء لا نعرف أي ينتهي هذا الحقل، وموقفنا أنه أينما انتهى فكله معنيون به، وكل الغاز (المحتمل) فيه هو لنا، ولن نتخلى عن أي شق من أرباح هذا الحقل الكامل، أي ليس فقط البلوك 9 بل أينما وصل».
وكان هوكشتاين تحدث في حديث تلفزيوني مع (إل بي سي آي) عن أن جلسة الاثنين، «كانت مهمة وتمكنا من مقابلة الرؤساء الثلاثة وهناك طرف آخر في هذا الأمر، لذلك لم نكن جميعاً في الغرفة نفسها»، مؤكداً أن «علينا أن نناقش مع الطرف الآخر أيضاً».
واعتبر أن «الأجواء خلال الأسابيع القليلة الماضية وعند كلا الطرفين تدل على استعداد لأخذ المفاوضات على محمل الجد لمعالجة القضايا مباشرة وأتمنى أن نتمكن من تضييق الفجوات أكثر».
وأضاف «أعتقد أننا قمنا بتضييق الفجوات قبل أن نصل إلى هنا وأننا حققنا بعض التقدم اليوم، وآمل أن نتمكن من الاستمرار في تحقيق هذا النوع من التقدم».
المصدر : الراي الكويتية