محليات
عن اعتذار البابا و4 آب والخطايا الكبيرة…
كتبت جيسيكا حبشي في موقع mtv:
في كلماتٍ عبَّرت عن ألمٍ وندمٍ عميقين، وباسم الكنيسة، قدَّم قداسة البابا فرنسيس 3 اعتذارات مُتتالية عن “الشرّ الذي ارتكبه العديد من المسيحيّين ضد السكّان الأصليّين” في كندا، طالباً المغفرة أمام حشود غافرة من الكنديّين.
في لبنان، يحفل التاريخان القديم والحديث بحروب وجرائم وإبادات ارتُكبت باسم التعصّب والفساد والحقد، ومن صنع أيدي مُجرمين ببذّات أنيقة ذهب ضحيّتها آلاف اللبنانيّين التي لا تزال صورهم معلّقة على جدران المنازل العابقة بالألم والحزن الدفينين، ولكنّ المفارقة هي أنه لم يُوثَّق اعتذار واحد، لا بالصّورة، ولا بالصّوت ولا حتى بالهمس عمّا اقترفه هؤلاء.
لم يعتذر أيُّ زعيم فاسدٍ في وطننا عن السّرقات والاختلاسات والصّفقات المشبوهة والفاشلة والتّلزيمات للأحباب والأصحاب والأقارب والمليارات التي ذهبت هدراً في مُختلف الوزارات وخصوصاً في ملف الكهرباء الذي انهار وانهارت معه المنظومة المُتعجرفة التي صرفت 50 مليار دولار على مدى سنوات ليُصبح اللبنانيّون في العتمة الشاملة.
لم يقدِّم أيُّ حاكمٍ اعتذاراً عن أموالٍ وتعويضات اللبنانيّين التي تبخَّرت في المصارف بين ليلةٍ وضُحاها وبات أصحابها أشبهُ بمتسوّلين برُتبة مواطنين يحلمون بالحصول على بعضٍ من مدخَّراتهم على أسعار صرفٍ سوداء لشراء الطّعام والدّواء ودفع تكاليف الاستشفاء.
لم يأسَف أيُّ مسؤولٍ أمام هول المجاعة التي تسلَّلت الى البيوت وتغلغلت في البرّادات الدّافئة والفارغة ولامست بطون الأطفال والرضَّع، ولم يندم أحدٌ على السّلع المدعومة التي هُرِّبت تحت غطاء شرعي عبر الحدود السّائبة ووضِّبت بخِفّة في المستودعات المحميّة حتى انتهاء تواريخ صلاحيتها.
بعد أيّامٍ قليلة، تحلُّ ذكرى موت العاصمة بيروت. موتٌ بأبعادٍ كثيرة طالت الأجساد والأرواح والمُمتلكات والماضي والحاضر والمستقبل. موتٌ لن يعرف قيامة حقيقيّة، فالثّابت الوحيد هو أنّ الحقيقة والعدالة دُفنا في ذاك اليوم مع أشلاء الضحايا، وواقحة المسؤولين وصلت بهم الى حدّ التفلّت من العقاب والاعتذار معاً. لم يعتذر مسؤولٌ واحدٌ عمّا حلّ بعاصمتنا وأهلها، فأيّ عدالة تنتظرون منهم، ومَن سيُعاقب مَن في بلد المُجرمين؟
خطايا كبيرة تُرتكب يوميّاً في لبنان، وذنوبٌ لا تُغتفر ولو جلس أصحابها على ألف كرسيّ اعتراف وتركوا كراسيهم وحصاناتهم لعدالة الأرض والسماء.
ما نعيشُه في وطننا هو إبادةٌ عصرية و”شرٌّ ضدّ السكّان الأصليّين” تماماً كما حلّ بشعوب كندا. ولكن لا مَن يعتذرُ في لبنان. هم ليسوا البابا طبعاً. حتّى “بيّ الكلّ”… ليس بابا!