محلياتمن الصحافة

كشف حساب

كتب عماد موسى في “نداء الوطن”:

لم تستطع الغرفة الزجاجية المبرّدة عزل صوت العميل المرتفع عن سمعي، ولا وجه الموظفة اللطيفة في قسم خدمة الزبائن عن نظري. سألها الرجل السبعيني عن مصير مدخراته باليورو، أيتركها حيث هي في أمان البنك؟ أو يسحبها ؟ وكيف؟ من خلال البطاقة الإئتمانية أو عبر الكونتوار؟ بدا لي، وللموظفة الجميلة، أن المودع الكريم الذي اختار اليورو كعملة بديلة عن العملة الوطنية على قناعة تامة أن الـ “هيركات” طاول حسابات الدولار فقط. ولما واجهته بالحقيقة الصعبة، وشرحت له آليات السحب المقنن وكيف تبخر 88% من “يوروياته”، صمت قليلاً لاستيعاب الصدمة. حاولت تهدئة اضطرابه “عمو كلنا متل بعضنا. ليش فكرك أنا قادرة اتصرف بمصرياتي؟” وكالغريق الباحث عن سترة نجاة عائمة على بعد ميلين سأل: برأيك مدام إذا تشكلت حكومة قريباً ممكن يرجعولي مصرياتي متل ما هنّي باليورو؟”. سمحت لنفسي بخرق الجدار الزجاجي لأجيب على السؤال الصعب: “لن تتشكل حكومة أطمئنك ولن تستعيد من الجمل سوى أذنه”.

خرج السبعيني، من جلسة الإستطلاع والتقصي والتدقيق مهزوماً. جاء دوري. قصتي بسيطة جداً. كشف حساب لثلاثة أشهر لزوم ما لا يلزم للفيزا. “10 دولار كاش، أو 25 دولاراً أو 50 الف ليرة”. هي التسعيرة الجديدة. بسرعة أجبت: آخذ العرض الثالث. لفتتني إلى أن الخمسين ألفاً صالحة فقط لكشف الحساب اللبناني. تساءلت ما الذي يتغير؟ الورقة المطبوعة ورقة. أخذت العرض الثاني. غابت السيدة الجميلة لدقائق وعادت بابتسامة عريضة ” I ‘m so sorry”.

أريد أن أسحب خمسة دولارات إضافية من حسابك، صار الـ fees بثلاثين دولاراً”. كشف الحساب بسعر بيتزا إكسترا لارج مع بيبسي جامبو.

غابت السيدة الجميلة وتركتني مع ذكرياتي الجميلة يوم كان البنك يقف حدي لأشتري منزلاً، ولا يقبل مدير الفرع إلّا أن يقسّط لي أوّل قسطين. وكان كشف الحساب مجانياً. وكان مصرفي السهران على خدمتي بشكل أفضل يقسّط سيارتي على آخر قرش، ويدفع مصاريفي وأقساط أولادي ويمدّني بمصروف السفر وإذا طلبت لبن العصفور، أجد “ستاف” الفرع مجنّداً لتنفيذ طلباتي وكان كشف الحساب، في ذاك الزمن، مجانياً.

تذكرت يوم كان مدير البنك يعانقني من دون غاية، والموظفات على الكونتوار يشعرنني بأني فرد من عائلتهن. كنت والموظفات حساباتنا مكشوفة. الأهم أن كشف الحساب مجاني.

تذكرتُ الفوائد الدائنة والمدينة كمن يتذكر قصائد “طفولة نهد”، وكنت في ذاك الزمن، عالطالعة وعالنازلة “بليز جاكي بدي 3 كشف حساب”. تجاوبني “تكرم عينك بعملن على آخر 3 سنين؟” اعملي الكشف على 6 سنين. كانت “طرحيات” الكشوفات مجانية بالكامل.

قطعت الموظفة الجميلة شريط ذكرياتي المصرفية مع كشف الحساب الجديد، “تاع” الـ 25 دولاراً،المتضمن 4 أسطر والمختوم من سعادة المدير. شو حلو!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى