بدأت مفاعيل برنامجي المساعدة الاجتماعية “أمان” و”البرنامج الوطني للأسر الأكثر فقرًا” (NPTP) تظهر منذ منتصف شهر آذار المنصرم، على أرض الواقع، لا بل في غرف المنازل، بإشراف وزارة الشؤون الاجتماعية التي تتابع وتنسّق هذه المساعدات مع مجلس الوزراء، في حين تجري الزيارات الميدانية للعائلات التي تقدّمت بطلبها إلى منصة (IMPACT). لكن ماذا عن مجريات العمل الميداني، وكيف تتم عملية انتقاء المستفيدين لتحقيق المهمّة بأعلى درجات العدالة؟
“خليّة نحل” تزور المنازل
مصدر مسؤول في وزارة الشؤون الاجتماعية أكد لـ”المدن” أنه منذ 17 شباط الماضي، بدأ حوالى 500 شخص من متطوعي برنامج الأغذية العالمي جولتهم على المنازل في كافة المناطق اللبنانية، وهم يقومون بعملهم كـ”خليّة نحل” للتأكد من أهليّة 200 ألف عائلة استوفت معايير الفرز الأولية لبرنامج “أمان” من أصل 583 ألف أسرة مسجّلة عبر منصة “IMPACT” تحت إشراف التفتيش المركزي، الذي عيّن عددًا من المفتّشين كي يراقبوا سير العمليات ويحضّروا تقارير دوريّة حول كل التدابير المتخذة، وفقًا لأعلى معايير الشفافية والكفاءة، وصولًا إلى تحديد 150 ألف أسرة أكثر حاجةً للاستفادة من مساعدة مالية شهرية لمدة سنة بالدولار الأميركي.
برنامج “أمان” المموّل بقرض بقيمة 246 مليون دولار حصل عليه لبنان بموجب اتفاقية مع البنك الدولي للإنشاء والتعمير، وصادق عليه مجلس النواب في جلسة عقدت في 2021/3/12، سيؤمن لحوالى 680 ألف فرد تحويلات نقدية شهرية بقيمة 20 دولارًا أميركيًا لكل فرد من أفراد الأسرة (6 أفراد لكل أسرة كحد أقصى)، بالإضافة إلى مبلغ ثابت قدره 25 دولارًا أميركيًا لكل أسرة، حسب المصدر.
ويخبرنا المصدر أن البرنامج بدأ بتغطية التكاليف المدرسية المباشرة لـ87000 طالب في المدارس الرسمية والمهنية، تتراوح أعمارهم بين 13 و18 عامًا، للاستفادة من مساعدة مدرسية لسنة واحدة، والتواصل جارٍ مع وزير التربية والتعليم العالي عباس الحلبي لتنسيق هذا الأمر، وذلك من أجل الحد من التسرّب المدرسي ضمن الأسر الأكثر فقراً.
اكتمال العدد في حزيران
ووفق مصدر وزارة الشؤون الاجتماعية، تحرص الأخيرة على تأمين التحويلات النقدية لمستحقيها بأسرع وقت ممكن، عبر قيام برنامج الأغذية العالمي بدفع التحويلات النقدية للأسر المؤهلة، من خلال وكلاء تحويل الأموال المحليين، متوقعًا أن تتم تغطية الـ150 ألف أسرة بكاملها في حلول نهاية شهر حزيران المقبل، بعدما وصلت اليوم إلى حوالى الـ90 ألف أسرة من كافة المناطق حصلت على الموافقة.
مرحلة دفع الأموال ستتم على مراحل، ذكر المصدر، وأوضح أن كل أسبوع، وبعد تخطي مرحلة الزيارة المنزلية، ستصل إلى مجموعة جديدة من الأسر رسالة نصيّة قصيرة بإسم رب أو ربة الأسرة الثلاثي على الرقم الأساسي الذي تسجلوا من خلاله على المنصة، تتضمن الرسالة المبلغ المحدد الذي تستفيد منه الأسرة شهرياً مع مفعول رجعي منذ بداية العام 2022، ويستطيع المستفيد التوجه إلى مراكز تحويل الأموال OMT وWestern Union وBOB Finance الموزعين على كل المناطق اللبنانية، ويبرزوا بطاقة الهوية والرسالة التي وصلتهم، ليحصلوا على المبلغ كاملاً وبالدولار.
بالنسبة لبرنامج الأسر الأكثر فقراً، أشار المصدر إلى أنه انطلق منذ 11 عامًا عبر هبات من البنك الدولي وبعض الدول الأوروبية، وكان يستفيد منه طيلة الفترة الماضية حوالى 36000 عائلة لبنانية بمبالغ شهرية بالليرة، إضافة إلى تغطية صحية كاملة في المستشفيات الحكومية والخاصة المتعاقدة مع البرنامج، ومجانية تسجيل الطلاب في المدارس، الثانويات والمهنيات الرسمية، وبطاقة مساعدات غذائية مؤقتة للأسر الأشد فقراَ، وغيرها من التقديمات.
وأضاف: “من المفترض أن يصل عدد المستفيدين من البرنامج الوطني للأسر الأكثر فقرًا اليوم إلى 75 ألف عائلة لبنانية بمبلغ شهري يُدفع بالدولار الأميركي، يتم تحديدها عملًا بآلية شبيهة لتلك التي عمل عليها برنامج “أمان”، عبر زيارات ميدانية يقوم بها فريق متخصص من وزارة الشؤون الاجتماعية للعائلات المسجلة في مراكز الخدمات الانمائية التابعة للوزارة، حيث بدأت أول دفعة يُقدّر عددها بنحو 20 ألف عائلة بقبض حصتها المالية الشهرية بدءًا من أول شهر آذار الفائت، على أن تصل في الأشهر المقبلة إلى 40 ألف أسرة تضاف إلى الـ36 ألف أسرة المسجلّة منذ سنوات، والتي تتقاضى حصّتها منذ انطلاق البرنامج.
علامات استفهام
هذا وسجّلت عملية تقديم المساعدات علامات استفهام كبيرة مع فشل المعنيين في إدارة بيانات الأسر والتحكّم بها، وحتى فصل بيانات كل برنامج عن بعضها البعض، بعد تسجيلها عبر منصة (IMPACT)، الأمر الذي جعل 1072 شخصًا يستفيدون من البرنامجين المذكورين، قبل أن يعزو وزير الشؤون الاجتماعية هكتور حجار ما حصل إلى “خطأ تقني غير مقصود”، موضحًا أن “الاستفادة حصلت على دفعة واحدة فقط من كل من البرنامجين، علمًا أن تأكيدات كثيرة حول التدقيق بالطلبات سبقت بدء التطبيق”.
ولفت حجّار إلى أن “الخطأ وقع خلال الأسبوع الماضي، وتمّ تصحيحه، وستتوقّف التحويلات المالية لهذه الأسر لمدّة شهرين كخطوةٍ طبيعية لتصحيح هذا الخطأ”، مشيرًا إلى أن “الفريق التقني الموكل متابعة العملية قام بتطبيق آليّة تقنية تسمح بمراقبة عمليّة الدفع بشكلٍ آنيّ، الأمر الذي سيمنع حدوث مثل هذا الخلل في المستقبل”.
مواطنون يشكّكون بنزاهة البرنامج
بشهادات العديد من المواطنين، الزيارات الميدانية للعائلات تحصل بزخم مرتفع، والـ”fresh dollars” تصل إلى أياديها، لكن شهادات أخرى أيضًا لمواطنين آخرين، شكت عبر “المدن” من استنسابية تحصل في سياق تحديد الزيارات الميدانية وانتقاء المستفيدين.
بالمقابل، يؤكد محمود.ن وهو ربّ لعائلة من 5 أفراد أنه تلقّى رسالة نصية (SMS) في شباط الماضي تبلغه فيها أن إسمه أُدرج على قائمة الزيارات الميدانية المرتقبة، “بعدها بعشرة أيام تلقّيت اتصالًا من مندوبة متطوعة لدى برنامج الغذاء العالمي، لم أصدّق في البداية أن هذا الأمر بدأ يتحقق في هذه السرعة،
لأنني عندما سجّلت معلوماتي على منصة (IMPACT) فعلتها بضغط من الأسرة”، ويضيف: “بالفعل زارت مندوبة البرنامج
منزلنا في الضاحية الجنوبية وطلبت إحضار كل المستندات التي تثبت أن ما دوّنته في المنصّة كان صحيحًا، ثم خرجت بعد انتهاء مهمّتها، لتردني رسالة نصيّة جديدة بعد يومين تفيدني بأنه يمكنني تحصيل المساعدة المالية بالدولار في 20 آذار تحديدًا من أي مركز تحويل مالي، وهذا بالفعل ما حصل”. تجربة محمود السعيدة، عايشها كثر من أقرانه الطامحين بأي طريقة إلى حفنة من الدولارات في بلد الحضيض الاقتصادي، لكن فئة كبيرة تعرب في السّر والعلن عن امتعاضها من آلية تطبيق المساعدات وتشكّك في نزاهتها، إذ تعتبر نفسها تستوفي الشروط المطلوبة التي تخولها الحصول على المساعدات، فيقول هادي.ح إن “أحد أقربائي لديه حسابًا مصرفيًا وأرضًا يملكها في قريته ويعمل لدى جهة خاصة وراتبه متوسّط القيمة بالليرة اللبنانية، وهو يعيل إبنه الذي يدرس الطّب في إحدى جامعات أوروبا، متسائلًا: هل يُعقل أن تتم الزيارة لذاك الشخص ويبدأ باستلام حصّته بينما أنا لا أملك ربع المقوّمات التي يملكها؟! فما هي المعايير التي حدّدت الجهة المعنية على أساسها أنه يستوفي الشروط في حين تبيّن لهم أنني فاقد للأهليّة؟”. حسين.ج يؤكد أن إحدى المندوبات التي تجول على منازل المنطقة التي تقطنها، تسكن في المنطقة نفسها، وتساهم بشكل كبير في تسهيل الطلبات وعدم تعقيدها على الكثير من معارفها وجيرانها بحال وُجدت ثغرات معيّنة تحول دون الموافقة عليها. وعطفًا على ما ذكره حسين، تشير معلومات “المدن” إلى أن المندوبين الذين يقومون بزياراتهم الميدانية للأسر الذي سُجّلوا
على منصة (IMPACT)، يتم توزيعهم حسب النطاق الجغرافي السكني لكل شخص، وهذا ما يُعتبر ثغرة كبيرة تحد من النزاهة والشفافية في عملية حصر المستفيدين. لكن مصدر وزارة الشؤون الاجتماعية أكد التزام البنك الدولي بأعلى معايير الشفافية ومكافحة الفساد في تنفيذ البرنامج، لافتًا إلى أنه جرى التعاقد مع جهة خارجية مستقلة لتكون مسؤولة عن مراقبة تنفيذ البرنامج، بما في ذلك التسجيل والأهلية والتحقق ومبالغ التحويلات النقدية، وذلك بهدف التأكد من وصول التحويلات النقدية إلى المستفيدين المستهدفين. بالإضافة إلى ذلك، يضم البرنامج آلية متينة لمعالجة المظالم تضمن معالجة الاستفسارات والشكاوى بسرعة وفعالية.
المصدر: المدن