هل من بوادر مواجهة روسية – أوكرانية على الساحة اللبنانية؟!
عكست التحركات الديبلوماسية التي شهدتها العاصمة بيروت منذ الرابع والعشرين من شباط الماضي تاريخ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا حركة ديبلوماسية لافتة وغير مسبوقة شبيهة بتلك التي تشهدها اي عاصمة أوروبية او غربية بعدما انشغل العالم بالحدث الكبير وتردداته الى انعكست على مختلف وجوه حياة البشر في عشرات الدول القريبة والبعيدة نتيجة ما تشكله الدولتان من مصادر للقدرات الاقتصادية والصناعية الغذائية والنفطية التي تدخل في صلب القطاعات والصناعات والخدمات الحيوية والمعيشية والانسانية.
تزامنا شهدت وزارة الخارجية حركة ناشطة، فما ان يغيب وفد اوروبي او غربي من دول الجوار الأوكراني أو الروسي والإتحاد الأوروبي عنها حتى يصل إليها السفير الروسي في بيروت الكسندر روداكوف وهو ما اوحى بمواجهات محتلمة لم تخرج الى اليوم عن اطارها الديبلوماسي. فحرب الشكاوى والمذكرات المتبادلة بين موسكو وعواصم عشرات الدول الاوروبية ودول الحلف الاطلسي ما زالت مفتوحة على شتى الاحتمالات ولا سيما أنها جاءت انعكاسا لحجم المفارقات التي تسببت بها العمليات العسكرية الروسية التي تستخدم فيها مختلف انواع الاسلحة التي صدأت في المخازن المنتشرة على الأراضي الروسية منذ منتصف القرن الماضي ولم تستخدم سوى نماذج بدائية منها في العملية التي قامت بها قبل خمس سنوات في سوريا، ما عدا تلك الصواريخ البالستية التي لم يكن هناك داع لاستخدامها بالنظر الى حجم القوى المستهدفة في سوريا قبل أوكرانيا.
وعلى خلفية هذه المستجدات، كشفت مصادر ديبلوماسية لبنانية لـ “المركزية” ان الحركة الديبلوماسية التي شهدها لبنان احيت في اذهان اللبنانيين الشكل الطبيعي للعلاقات الديبلوماسية الواجب قيامها بين الدول والتي تشكل فيها وزارة الخارجية حجر الرحى والمدخل الاجباري للتعاطي بين حكومات الدول فانحسرت حركة السفراء المعنيين باتجاه القيادات الحزبية والأطراف السياسية غير الرسمية رغم الانقسام في نظرة المكونات اللبنانية من الازمة في شكلها ومضمونها بما فيها من مفارقات أبرزت الخلاف بين مواقف بعض القوى والدول الراعية لها إقليميا ودوليا استنادا الى النظر الى ما يجري بعيون محلية واقليمية ضيقة. والا ما معنى ان تكون ايران مثلا في موقف المدين للغزو الروسي ووقوف حلفائها وفي مقدمهم حزب الله وبعض القوى المتاثرة بمحور الممانعة مع موسكو في حربها. وبالرغم من هذه المفارقات بقيت المراجع الديبلوماسية محصورة بوزارة الخارجية ما خلا تلك الزيارات الاستثنائية الموفدين او وزراء خارجية زاروا لبنان بما فرضته من جولات لا بد منها شملت رئيس الجمهورية ورئيسي المجلس النيابي والحكومة وبعض القيادات الحزبية والروحية.
وعليه قالت المصادر عينها ان لبنان اختار منذ البداية التعاطي مع الأزمة الأوكرانية عبر المؤسسات الديبلوماسية المعنية برسم سياسة لبنان الخارجية. فتعاطت معها من بوابة وزارة الخارجية والتأكيد على موقف لبنان الثابت، فسجل موقفه الذي دان العملية الروسية احتراما منه للقوانين والمعاهدات الدولية وكل الشرع التي تنظم العلاقات بين الدول المستقلة وخصوصا تلك التي تحد من أطماع الدول العظمى بجاراتها الصغرى والضعيفة. وكل ذلك جرى من اجل ضمان مصالح لبنان العليا وهو من عانى من جاراته الصديقة والعدوة بالموازين عينها التي تترجمها الأزمة الاوكرانية اليوم.
وبعيدا من هذا المنطق فقد ظهرت في الأيام القلية الماضية بوادر مواجهة روسية – اوكرانية مباشرة على هامش المواجهة المفتوحة بين موسكو وحلفائها الدوليين القلائل من جهة والمجتمع الدولي المناهض للعملية العسكرية الروسية من جهة اخرى على وقع مجموعة العقوبات التي بدأت بفرضها على موسكو والتي شملت مختلف المصالح الروسية وصولا الى تعليق عضويتها في بعض المؤسسات الدولية والاممية.
وفي هذه الاجواء المحمومة، برز تطور جديد من طرف واحد اوحى به مضمون بيان سفارة روسيا الاتحادية في لبنان التي تحدثت قبل ايام عن تحركات لمواطنين أوكرانيين بدؤوا بمساعدة سفارة بلادهم في بيروت بـ “تنظيم عدة حملات تشويه وتحريف لحقيقة العملية العسكرية الروسية الخاصة، وتشهير بكل ما يتعلق بروسيا الاتحادية بشكل عام”. وبعدما أشار البيان الى ارتكابات غير قانونية عبرت عنها السفارة بإشارتها “الى التحرك الذي قام به متظاهرون أمام مبنى سفارة بلادها في بيروت وأطلقوا الهتافات المهينة ووضعوا الملصقات المعادية لروسيا على حائط السفارة في محاولات لإلحاق الأضرار بالممتلكات الدبلوماسية الأخرى…”.
وفي ظل التحذير الروسي من ان “هذه الممارسات قد تؤدي إلى وقوع حالات صدام مستنكرة ومرفوضة” قالت مصادر امنية لـ “المركزية” ان هذا التحرك “اليتيم” لا يمكن ولا يجب ان يؤدي الى مثل هذه التحذيرات. فالتحرك كان مرخصا له ولا يستأهل ان يكون سببا للوصول الى مرحلة المواجهة وان طلبت اي مجموعة اخرى تنظيم مثل هذا التحرك كما شهد محيط سفارات اخرى لدول عدة في لبنان فلن يكون مرفوضا شرط التزام التعبير الديمقراطي لا اكثر ولا اقل.
تزامنا قالت مصادر ديبلوماسية لـ “لمركزية” ان اشارة السفارة الروسية بقيت اعلامية فوزير الخارجية عبد الله بو حبيب الذي التقى السفير رادكوف بعد الحادث لم يتبلغ منه بمثل هذه المخاوف وما يمكن ان تؤدي اليه. ولفتت الى ان التعاون اللبناني – الروسي لمواكبة الازمة الاوكرانية معلن عنه ولا يخفي اي اسرار وان اي مخاوف امنية لم ترصد بعد بشهادة المراجع الامنية .
واستطردت المراجع الديبلوماسية لتقول: ان موقف لبنان من الحرب لم يتغير بعد، منذ إدانته للعملية العسكرية في أوكرانيا وأن لبنان تبنى على ما يضمن مصالحه ويبقيه في الموقع الذي يؤهله الى طلب الدعم الدولي كلما تعرض لاعتداء خارجي ولحمايته من ترددات اي عملية عسكرية قد تطال أمنه القومي وسلامة ووحدة أراضيه ومصالح الحيوية. وان فسر البعض تمنع لبنان عن التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة في شأن “مشروع القرار اخراج روسيا من لجنة حقوق الإنسان وإلغاء الاحتفال باللغة الروسية في الاونيسكو” موقفا مغايرا أو تراجعا عن موقفه المبدئي من الحرب الاوكرانية فهو مخطىء.
وتختم المصادر لتقول: ان الموقف اللبناني استراتيجي لا يتبدل بفعل هذه المناسبة او تلك ايا كانت، وان فسره البعض “ضربة لبنانية على الحافر واخرى على المسمار” فلا باس، وقد يكون منطقيا ففي الحالتين ما علينا سوى حماية المصالح اللبنانية وضمان بقاء لبنان في الموقع الحاضر في المجتمع الدولي معبّرا عن احترامه لكل المعاهدات والمواثيق الحامية للبنان قبل ان يوفر الحماية لأي دولة عربية أو غربية.
المركزية