زمن الأول تحّول… إنتخابات آخر العهد
المصدر: خاص “لبنان 24”
بإختصار كلّي يمكن القول أن إنتخابات 15 أيار هي أصعب إنتخابات يشهدها لبنان منذ الإستقلال وحتى آخر إنتخابات جرت على أساس القانون الأكثري، وأول إنتخابات حصلت العام 2018 على أساس القانون النسبي للمرّة الأولى، على رغم المآخذ الكثيرة التي لنا عليه، وقد نفصّلها لاحقًا.
ففي مقارنة بين الأمس (2018)، وبين اليوم (2022) يمكن إجراء قراءة سريعة بين ما كنّا عليه، وما نحن سائرون إليه. ولهذه المقارنة ستة عناوين يمكن تفصيلها على الشكل الآتي:
أولًا، في العام 2018 كان العهد في بداياته، وكان الناس لا يزالون يعيشون امالًا وردية، وكانت لديهم القدرة الكافية على مواجهة التحدّيات والصعوبات، التي كانت خفيفة نسبيًا وقياسًا إلى ما يعيشونه اليوم. والأهمّ من كل ذلك أن اللبنانيين كانوا يعيشون في بحبوحة لا بأس بها، وإن كانت مغطّاة بـ”قشرة بصلة”، على رغم الأجواء الملبدّة التي كانت تعيشها المنطقة مع تنامي ظاهرة “الداعشية” في دول الجوار، والتهديد الذي كان يواجهه لبنان على حدوده الشرقية، فيما عينه كانت دائمة “مفتّحة” على الداخل والحدود الجنوبية.
أمّا اليوم فإن العهد أشرف على نهايته مع ما يكتنف المستقبل من غموض، خصوصًا بالنسبة إلى الإستحقاق الرئاسي، والنتيجة التي ستفضي إليها الإنتخابات النيابية.
ثانيًا، كانت مفاعيل التسوية الرئاسية لا تزال قائمة وحاضرة في الحياة السياسية، وهذا ما إنعكس على التحالف الإنتخابي بين “التيار الوطني الحر” وتيار “المستقبل” في أكثر من منطقة.
أمّا اليوم، فإن العلاقة بين “حليفي الضرورة” هي في أسوأ مراحلها على المستوى السياسي، خصوصًا بعد إعلان الرئيس سعد الحريري تعليق عمله السياسي لأسباب علّلها في كتاب إنكفائه عن الساحة السياسية، إضافة إلى حال الإرباك التي تركها على المعركة الإنتخابية بالنسبة إلى الحلفاء والخصوم على حدّ سواء، وما خلّفه من بلبلة داخل الشارع السنّي عمومًا وداخل “التيار الأزرق” خصوصًا.
ثالثًا، كان الإستقرار الإقتصادي والمالي مقبولًا نسبيًا وكان الناس لا يزال يصدّقون “كذبة” أن الليرة بخير وأن لا خوف على القطاع المالي والمصرفي، إلى أن كان الإنهيار الكبير بين ليلة وضحاها، ومعه فقد المودعون “تحويشة” العمر، بعدما تخّلف لبنان عن تسديد ديونه الخارجية والداخلية على يد حكومة حسّان دياب.
رابعًا، أدّى تفاقم الوضع الإقتصادي إلى قيام “ثورة 17 تشرين الأول من العام 2019، حيث نزل المواطنون بعشرات الالآف إلى الطرقات، التي أغلقت إحتجاجًا على تردّي الأوضاع وفساد الطبقة السياسية الحاكمة.
وهذا الوضع المأزوم إقتصاديًا ومعيشيًا سيؤثّر حتمًا على العملية الإنتخابية، أولًا بالنسبة إلى الناخبين الذين يعيشون في المدن ولن تسمح لهم ظروفهم الضيقة بالتوجه إلى قراهم النائية، وثانيًا لناحية إعتكاف شريحة واسعة من هؤلاء الناخبين عن الإقتراع كموقف رافض لهذه الطبقة، خصوصًا أن مرشحي ما يُعرف بالمجتمع المدني مشتّتون وغير موحدّي الرؤية والتوجّه والبرامج.
خامسًا، إنفجار مرفأ بيروت، مع ما رافقه من مآسٍ بشرية وإقتصادية، وإتجاه وأضح من قبل بعض الجهات السياسية إلى تمييع التحقيق العدلي ومحاولة كفّ يد القاضي البيطار وإبعاده عن هذا الملف الحسّاس والدقيق.
سادسًا، إنعكاس الحرب في أوكرانيا على الأمن الغذائي على لبنان، الذي يعتمد في حاجياته اليومية على إستيراد القمح والزيوت والمحروقات ومشتقاتها، خصوصًا أنه بلد يستورد أكثر بكثير مما يصدّر. وهذا الأمر سيزيد من حالات الإحباط لدى اللبنانيين، الذين أصبحت أولوياتهم الرغيف وصفيحة البنزين، وأن آخر همهم هو من سيأتي إلى الندوة البرلمانية، لأن “حنا بالنسبة إلى إليهم هو كحنين”.
لكل هذه الأسباب، بالمفرق والجملة، تبدو الإنتخابات المقبلة غير كل الإنتخابات التي سبقتها، والتي تترافق مع أجواء توحي بأن جميع الأحزاب والتيارات السياسية “تقف على أعصابها” وتلجأ إلى تجييش قواعدها الحزبية الصرفة من خلال اللعب على حبال الغرائز وشدّ العصبيات.