“بازار” تفرغ الجامعة يفجر قنبلة !
يحق لاساتذة الجامعة اللبنانية، متفرغين ومتعاقدين، أن يتحركوا لتحصيل حقوقهم أو دفاعاً عن مكتسبات تكرست بنضالات تاريخية. لكن للتحرك إن كان إضرابات أو اعتصامات، شروطه، منها حسابات الجدوى وقياس الأرباح والخسائر، وإمكان أن يدفع أي تحرك السلطة السياسية للبحث في المطالب وصولاً إلى تلبيتها. والأهم أن يكون الجسم التعليمي موحداً بعيداً من الشرخ لحسابات قوى همها الأساسي التوظيف والتنفيعات. وفي تاريخ الجامعة عندما كانت الدولة قائمة بمؤسساتها كانت التحركات فاعلة، والطلاب في موقع الفعل، كما الاساتذة الذين حققوا انجازات كبرى في مراحل مختلفة، حين نهضت الجامعة أكاديمياً ونافست الجامعات الخاصة قبل أن تدخل بعد انتهاء الحرب في زواريب السياسة والطائفية والمحاصصة.
مرت الجامعة بأطوار عدة في حراك اساتذتها، وتمكنت الأداة النقابية أي رابطة المتفرغين من أن تضغط لتحقيق المطالب، حيث فرضت في العام 2011 إقرار سلسلة لرواتب الاساتذة، لتبدأ بعدها رحلة الانحدار مع إمساك المكاتب الحزبية بالتمثيل في الأداة النقابية وأيضاً في المجالس الجامعية، فوضعت اي تحرك تحت العصا السياسية، ومنها ملفات التفرغ والملاك وتعيينات العمداء، وصولاً إلى مجلس الجامعة.
اليوم يتحرك المتعاقدون في الجامعة طلباً للتفرغ، ثم تأتي مطالب أخرى ملحقة، منها المشاهرة والانتاجية التي حرموا منها ورفع أجر الساعة. وفي الذاكرة لا يمكن رفع مطالب من دون تقييم ما حصل بملفات سابقة أبرزها ملف التفرغ 2014 الذي دخلت عليه أسماء بعضها لم ينل شهادة الدكتوراه وليس لديه نصاب في الجامعة، فتحول الأمر إلى بازار مفتوح دفعت الجامعة ثمناً باهظاً في دورها ومستوى كلياتها، وإن كان العديد من الأساتذة هم أصحاب كفايات وطاقات أكاديمية مشهود لها.
وفي التقييم المسبق لاي تحرك هو معرفة كيفية تعاطي سلطة الوصاية مع مطالب الاساتذة، ومن يعطل الملف، وكيفية أداء رابطة المتفرغين. فإذا كانت هناك مشكلة بين افراد الكادر التعليمي أو بين المتفرغين والمتعاقدين، فليست الرابطة هي المسؤولة بالضرورة، خصوصاً عندما نلاحظ وجود شرخ داخل فئة المتعاقدين أنفسهم.
أزمة المتعاقدين في الجامعة تكشفت أخيراً بعد الدعوة إلى الاعتصام أمام الإدارة المركزية. قرر المتعاقدون الضغط على رئاسة الجامعة من أجل التفرغ، فيما المشكلة هي بالدرجة الأولى في كيفية تمرير الملف في مجلس الوزراء. التفرغ لم يمر كما تعيين العمداء قبل أن تتحول الحكومة الى تصريف الأعمال بسبب الخلافات السياسية والطائفية، فطارت كل ملفات الجامعة حينها. اليوم أعيد ملف التفرغ إلى الجامعة وهو يُعد وفقاً للحاجات بالتنسيق مع وزير الوصاية في غياب مجلس الجامعة، ولذا فإن اي تحرك ذي جدوى للمتعاقدين يكون ضد السلطة السياسية بالدرجة الأولى وليس ضد الجامعة.
علقت لجنة المتعاقدين دعوتها للاعتصام بعد لقائها رئيس الجامعة، لكنها وقعت في مصيدة الشعبوية والمزايدات. جزء من المشكلة يتعلق بطبيعة فئات المتعاقدين، وهو أمر يجر منذ سنوات طويلة، حيث بُنيت طبقات من التعاقد تمكّن القوى السياسية من تمرير ما تراه مناسباً، وهي لم تتوان عن تفريغ اسم وزير هنا وموظف كهرباء هناك، على حساب آلاف الأساتذة، فيما تم التعاقد مع اسماء برعاية سياسية، ومع مئات من موظفي الإدارة العامة في الدولة وبينهم اساتذة في ملاك التعليم الرسمي حصلوا على الدكتوراه ويريدون أن ينتقلوا الى كادر الجامعة.
التفرغ مطلب حق للاساتذة، والملف اليوم في أيد أمينة، لكن المسؤولية ملقاة على الجميع، رئاسة ورابطة واساتذة وسلطة وصاية للعمل على إصلاح حقيقي يُحرج الجامعة وقضاياها من البازار السياسي وإعادتها إلى المسار الأكاديمي المنتج.
النهار – ابراهيم حيدر