سجناء لبنان بلا أطباء ومصير بعضهم الموت
كتب نادر حجاز في موقع mtv:
خرجت الأوضاع خلف زنازين السجون اللبنانية عن الحدود المعقولة، فمنذ شهرين والسجناء بلا أطباء ووحدها الحالة الطارئة جداً التي تعطى الألوية لتلقي العلاج، هذا إذا توفرت تغطية التكاليف في المستشفى، حيث توقف الأطباء عن زيارة السجون في ظل الأرقام الزهيدة التي أصبحوا يتقاضونها من المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي على وقع التضخم المالي وانهيار قيمة الليرة، وتكاد مستحقاتهم الشهرية لا تبلغ نصف صفيحة بنزين، وتُقدّر بحوالى 600 ألف ليرة، وباتت هناك استحالة لقبول الأطباء بالقيام بهذه المهمة في السجون.
هذا الواقع لم يعد مبالَغاً فيه، فبعدما كان يداوم في سجن رومية المركزي مثلاً حوالى 8 أطباء يقومون بتغطية أيام الأسبوع كلّها، ومن كافة الاختصاصات، لم يبق إلا طبيباً واحداً وممرضاً، وهما من سلك قوى الأمن، يتناوبان في السجن بشكل أسبوعي.
وصحيح أن المسؤولية بالدرجة الاولى تقع على عاتق قوى الامن، على اعتبار أن موازنة السجون هي من ضمن موازنتها، لكن هذه الأخيرة ومنذ تفاقم الانهيار الاقتصادي باتت عاجزة عن تأمين الطبابة لعناصرها حتى، فكيف سيكون الحال مع السجناء، خصوصاً أن القيمة الحقيقية لميزانية وزارة الداخلية المخصصة لتقديم الرعاية الصحية إلى السجناء انخفضت من 7.3 مليون دولار في 2019 إلى حوالي 628 ألف دولار في 2022، في حين أن الفاتورة الاستشفائية ارتفعت بشكل جنوني، وفي سجن رومية المركزي وحده يوجد أكثر من 3700 سجين.
رفعت رئيسة جمعية “نضال لأجل الإنسان” ريما صليبا الصوت عبر موقع mtv، متحدثة عن مشكلة كبيرة تتمثل في الحالات الطارئة التي تستدعي دخول المستشفى، قائلة: “عقدة جديدة أضيفت الى ملف السجون، وبتنا كجمعيات نأخذ على عاتقنا عقد الاتفاقات مع أي طبيب في حال وجود حالة طارئة في السجون، من خلال تأمين بدل المعاينة وتكلفة انتقاله الى المستشفى لمعالجته”، كاشفة عن قيام الجمعية بتأمين الفحوصات والتحاليل اللازمة كما صور الأشعة لـ٨٢ سجيناً خلال الأشهر الأولى من العام 2023، مستطردة: “لكننا للأسف نختار الحالة الطارئة أكثر، في حين تكون الحالات كلّها بحاجة لمتابعة”.
وأشارت صليبا الى جشع كبير لدى عدد كبير من الأطباء الذي لا يتجاوبون مع نداءات الجمعيات لإغاثة السجناء المرضى، قائلة: “عدد قليل من الأطباء لا زال يتجاوب معنا، أما غالبيتهم فترفض، وهم يطالبون بكلفة المعاينة. أتفهّم واقع الأطباء ولكن هناك ضمير إنساني وواجب لإنقاذ حياة إنسان”، كاشفة عن تواصل تمّ مع قطاع الأطباء في جمعية الخريجين التقدميين وأن عدداً منهم على اختلاف اختصاصاتهم بدأوا يشاركون بتغطية بعض المعاينات في السجون.
وبينما أشارت إلى أن منظمة الصحة العالمية والصليب الأحمر الدولي لا يزالان يقومان بدورهما لجهة تغطية استشفاء الحالات التي تستدعي عمليات جراحية، لفتت صليبا إلى أن التحاليل المخبرية وصور الأشعة ومعاينات الأطباء لا تغطيها في حين نسعى نحن وباقي الجمعيات المحلية لتغطيتها ولكن بتنا نعجز أخيراً عن ذلك.
وعن المخرج المطلوب في ظل هذا الواقع، قالت صليبا: “الحل الوحيد هو إيجاد مصادر تمويل خارجية كما تفعل المؤسسة العسكرية، فلا يمكن انتظار الدولة والوضع الاستشفائي كارثي على مستوى البلد ككل”، موجهةً نداءً الى جميع المسؤولين المعنيين بالملف الصحي لمساعدة قوى الأمن على المستوى الاستشفائي، وبعضهم يعمل جاهداً، ولكن المطلوب أكثر والمطلوب الوصول الى حلّ جذريّ قبل أن نغرق أكثر.
يثبت ملف السجون مرة جديدة انه قنبلة موقوتة، لا بل بؤرة تفتقد لأبسط حقوق الإنسان، في حين أن خطوات كثيرة لا بد من القيام بها وأبسطها إنجاز المحاكمات، فحوالى 80 في المئة من السجناء في لبنان هم غير محكومين، وهذه فضيحة بحدّ ذاتها، في حين يتسلّل الموت خلف قضبان الزنازين.