لكسر الإضراب.. هكذا ستستبدل الدولة موظفيها
عقاباً لموظّفي الإدارة العامة الذين يدخلون بإضرابات مستمرة، ارتأت السلطة السياسية وضع حدٍّ لعدم انتظام العمل في الإدارات العامة، لكن ليس عن طريق تصحيح رواتب وأجور الموظفين، أو إدخال المساعدات الاجتماعية إلى صلب الراتب، أو عبر تأمين المستلزمات المطلوبة لإنجاز الأعمال، كالقرطاسية والمياه والخدمات الأخرى، بل عبر استبدال الموظفين بمتطوّعين يُدفَع لهم 15 دولار يومياً.
كسر الإضراب
أغلب موظفي الإدارات العامة لا يتوجّهون إلى مراكز عملهم، التزاماً بالإضراب لمدة شهر، والذي أعلنته رابطة موظفي الإدارة العامة، مطلع شهر تموز الماضي. ويتعارض هذا الإضراب مع مسعى السلطة السياسية لإعادة ترتيب الأمور ومحاولة إعادة الانتظام للعمل الإداري في الدولة بعد انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، واعتبار أن تسلُّم نائبه الأول وسيم منصوري مسؤولية الحاكمية، هو مدخل لمرحلة جديدة. ولذلك، سجّلت الرابطة “بدء توافد عدد كبير من المتطوّعين إلى الإدارات العامة للاطّلاع على كيفية سير الأعمال تمهيداً لاستلام المهام عوضاً عن الموظفين”، وفق ما تؤكّده مصادر في الهيئة الإدارية في رابطة موظفي الإدارة العامة.
“جيش المتطوّعين”، وفق ما تصفه المصادر في حديث لـ”المدن”، ستُفتَح أمام أفراده حواسيب الإدارات العامة “وسيطّلعون على ملفّات الدولة العلنية والسرية، بما فيها معلومات تخص المواطنين في كل الإدارات، ومن ضمنها المعلومات المالية”. وتشير المصادر إلى أنه تمهيداً لتسهيل مهام المتطوّعين “ظهرت فجأة الخدمات اللوجستية، ففي وزارة المالية على سبيل المثال، تأمّنَت القرطاسية ومكيّفات الهواء والمياه والمصعد الكهربائي ونُظِّفَت المراحيض، في حين لم تكن هذه الخدمات مؤمَّنة لموظفي الدولة، بحجّة الأزمة الاقتصادية وعدم قدرة الدولة على دفع التكاليف”.
وعبر هذا الجيش، تسعى السلطة السياسية إلى كسر الإضراب عبر تأمين بديل عن الموظفين. لكن الرابطة أعلنت في بيان متأخِّر ليل أمس، أنها مستمرة بالإضراب طيلة شهر آب الجاري.
التمويل من الدولة؟
المضحك في هذه المسألة هو أن “موظفي الإدارة العامة عليهم الحضور إلى مراكز العمل لتدريب المتطوّعين”. أي أن المضربين عن العمل بفعل عدم تلبية مطالبهم، سيعلِّمون متطوّعين أتوا لأخذ أماكنهم، ثم يعود أولئك إلى منازلهم للاستكمال الإضراب!.
لكن المثير للريبة، بالنسبة لموظفي الإدارات العامة، هو تمويل جيش المتطوّعين. في بيان الرابطة إشارة إلى أن كل متطوّع “سيتقاضى من مالية الدولة 15 دولار يومياً كبدل أتعاب”. علماً أن هؤلاء الأفراد، يؤمِّنهم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP. ولذلك، تسأل المصادر عن سبب تقديم الـUNDP للمتطوّعين، في حين ستغطى كلفة عملهم من مالية الدولة، وهل تملك الدولة هذا المال بالدولار؟ وإن كانت تملكه، فالأجدى بها تقديمه لموظفيها. فبكلفة 15 دولار يومياً، يمكن للموظفين التفاوض على العودة إلى العمل.
لكن بالنسبة للمصادر “للمسألة أبعاداً أخرى تتّصل بنوايا تصفية القطاع العام، والتي بدأت منذ العام 1997 مع قرارات التعاقد الوظيفي وابتداع مسميات كثيرة منها عمال غب الطلب وعمال الفاتورة وغير ذلك”.
وما يستجدّ اليوم ليس صدفة. فبنظر المصادر، إن “الدول المانحة والجمعيات الدولية تساعد في ضرب الإدارة العامة بحجة المساعدة على إنجاز المعاملات وتأمين الخدمات للمواطنين، لكنها في الحقيقة تساعد على إنهاء القطاع العام والمساهمة في خصخصته بشكل كامل، وهذا العمل يأتي لصالح البنك الدولي. أما حجّة خدمات المواطنين، فكان الأجدى بالمنظمات الدولية دعم موظفي القطاع العام لإنجاز معاملات المواطنين، علماً أن الموظفين هم مواطنون يعانون من هذه الأزمة التي تزيدها رسوم وضرائب الدولة المنصوص عليها في الموازنات العامة، وآخرها موازنة 2023 التي أبقت ما يتقاضاه الموظفون خارج الراتب، وبالتالي لا يستفيد الموظف منها حين يتقاعد”.
التصعيد ممكن
لا خيارات أخرى أمام الموظفين سوى التصعيد. إذ تؤكّد المصادر أنه “ليس أمامنا سوى الإضراب كسلاح أوّلي، ثم اللجوء إلى القضاء عن طريق مجلس شورى الدولة وديوان المحاسبة، ولاحقاً المنظمات الدولية الداعمة لحقوقنا، ومنها منظمة العمل الدولية”. ولا تعوّل المصادر على بعض المنظّمات الأخرى لأنها “تساعد المنظومة في لبنان، وتعلم كل تفاصيل الأزمة”.
ولذلك، سيستمر موظفو الإدارات العامة بالإضراب حالياً، لكن “يد التفاوض ستبقى ممدودة باتجاه الجميع، وفي مقدّمهم وزارة العمل التي تُعتَبَر وزارة غيورة على الإدارة العامة والقطاع العام ويهمها استمرار القطاع.
وتجدر الإشارة إلى أن التعاون مع الـUNDP في هذا المضمار ليس بجديد، فالإدارات العامة كانت تضمّ موظفين تحت غطاء برنامج التعاون بين الدولة والـUNDP بهدف “إعادة تطوير قدرات الإدارات العامة”. وهؤلاء كانوا يتقاضون رواتبهم من الدولة بالدولار بكلفة سنوية تصل إلى نحو 60 مليون دولار. لكن هذا المشروع كاد أن يتوقّف في آب 2020 بسبب الأزمة الاقتصادية وعدم قدرة الدولة على دفع الرواتب بالدولار، إلاّ أنه جُدِّد بشروط جديدة تقوم على توقيع العقود بين الوزارات والموظفين، بدون المرور بالـUNDP ودفع الرواتب بالليرة.
التفاصيل “ما زالت غامضة حتى الآن”، تقول المصادر التي تنتظر “الإجابات من الوزارات المعنية حول هوية هؤلاء الوافدين الجدد وطبيعة عملهم والمهلة الزمنية التي سيقضونها في الإدارات. كما أن الوزارات مطالَبة بالكشف عن مصادر تمويل هؤلاء”. علماً أن وجودهم “غير مرحّب به مهما كانت تفاصيل تعيينهم وتمويلهم، لأن أي تقديمات ستعطى لهم سواء من الدولة أو المنظمات الدولية، فهي من حق الموظفين”.