تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان؟
في استحقاق “حاكمية” مصرف لبنان، لا يزال “الغموض البنّاء” سيّد الموقف، رغم ما يُحكى عن أنّ “السيناريو” بات واضحًا، ويقوم على انتقال صلاحيات حاكم المصرف رياض سلامة لنوابه بمجرد انتهاء ولايته في 31 تموز الجاري، بمعزلٍ عن قرار هؤلاء بالاستقالة من عدمه، في ظلّ “اجتهاد” يقول بأنّ الاستقالة، ولو حصلت، لن تكون أكثر من “تبرئة ذمّة”، لكنّها لن تعفيهم من تحمّل مسؤولياتهم القانونية والدستورية البديهيّة.
لا يعني رجحان هذا “السيناريو” أنّ غيره من السيناريوهات قد خرج نهائيًا من التداول، فإذا كان التمديد “القسري أو التقني” للحاكم بعد انتهاء ولايته “مُستبعَدًا” للكثير من الأسباب والاعتبارات، فإنّ طرح تعيين حاكم جديد للمصرف حاضر على طاولة مجلس الوزراء اليوم ، اذا عقدت.
ومع أنّ خيار التعيين هو “الأمثل”، بحسب وصف رئيس الحكومة في جلسة مجلس الوزراء الأخيرة، إلا أنّه يبقى مرهونًا بـ”نضوج الظروف التي تسمح بذلك”، وهو ما قال ميقاتي إنه يسعى إلى تحقيقه من خلال مشاورات مكثفة، ما يسمح بتمرير المرحلة بأقلّ الأضرار، ولا سيما أنّ من “واجب” الحكومة تأمين استمرار سير المرفق العام، فهل يعني ما تقدّم أنّ التعيين لا يزال “على الأجندة”، بل ربما “على النار” كما يوحي البعض؟
قوى سياسية تؤيد التعيين
في مقابل الرفض “المطلق” لتعيين حاكم جديد لمصرف لبنان، قبل انتخاب رئيس للجمهورية، الذي يعبّر عنه صراحةً “التيار الوطني الحر”، وعدد من قوى المعارضة ولا سيما المسيحية، ولو بوتيرة “حماسية” أدنى، يبدو أنّ الموقف “أكثر مرونة” لدى قوى أخرى، يميل بعضها لتأييد “التعيين” صراحةً، باعتبار أنّ “الأولوية” هي لتأمين سير المرفق العام، خصوصًا إذا كان بـ”حساسيّة” مصرف لبنان، وفي ظلّ الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة التي تشهدها البلاد.
يتصدّر هؤلاء بطبيعة الحال رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي لا يخفي دعوته للتعيين اليوم قبل الغد، ومن دون تأخير، مستندًا إلى شعار أنّ “الضرورات تبيح المحظورات”، فكيف إذا كانت الضرورات تتعلق باستقرار العملة النقدية، ومنع التفلّت الذي قد يصل لمستوى الجنون في حال الشغور في الحاكمية، علمًا أنّ بري بحسب ما يقول العارفون، لا “يحبّذ” تسلّم النائب الأول للحاكم وسيم منصوري للمسؤولية، وهو المحسوب عليه بشكل أو بآخر.
وإذا كان “حزب الله” يتمايز عن بري في هذا الموقف، سواء من باب مسايرة “التيار الوطني الحر” وعدم قطع “شعرة معاوية”، أو تجنّبًا لأيّ “استفزاز” للمسيحيين قد لا يكون في محلّه، فإنّ قوى أخرى “تتقاطع” مع بري على “ضرورة” التعيين في هذا الوقت، من بينها “الحزب التقدمي الاشتراكي” الذي يقول أحد نوابه إنّ على الحكومة أن تبادر إلى التعيين، لأنّ منع الشغور يجب أن يتفوّق على أيّ اعتبارات أو حسابات أخرى.
التعيين “على النار”؟
إلى ما تقدّم، ثمّة من يعتبر أنّ الموقف المسيحي قد لا يكون “متشدّدًا بالمطلق” خارج إطار “التيار الوطني الحر”، فـ”القوات اللبنانية” مثلاً قد تكون أكثر “مرونة” في مقاربة الملف، علمًا أنّ رئيسها سمير جعجع كان قد أعلن وجوب أن تعمد الحكومة إلى تعيين حاكم جديد، قبل أن تراجع “القوات” موقفها، وتعتبر أنّ التعيين يفترض وجود رئيس للجمهورية، ما وضعه البعض في خانة “المنافسة الشعبوية” في الشارع المسيحي.
ثمّة من يشكّك بأن يكون التعيين قد وُضِع “على النار” فعلاً، في ظلّ بعض الاعتبارات التي تفرض “التريث”، ومنها الموقف المسيحي الرافض، وإصرار رئيس الحكومة على أنّ أيّ موقف من هذا النوع يتطلب “تفاهمًا وطنيًا”، إن لم يكن “إجماعًا”، منعًا لخلق بلبلة جديدة، أو الدخول في إشكال لا أحد يريده أو يسعى إليه.
وإذا كان الثابت أنّ قرارًا بحجم التعيين لا يمكن أن يصدر بين ليلة وضحاها، وأنه يتطلب مشاورات مكثفة بين مختلف القوى للاتفاق على “الشخص الأمثل والأنسب” لملء الموقع، فإنّ هناك في المقابل من يجزم بأنّ التعيين لا بدّ أن يحصل، لأنّ أيّ سيناريو آخر قد يأخذ البلاد إلى “المجهول”، بل إلى “الفوضى” التي لا تحمد عقباها، وهو ما يفرض أخذ الكثير من الحيطة والحذر على أكثر من صعيد.
ليس واضحًا بعد ما إذا كان تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان قد وُضِع “على النار” فعلاً، وكيف يمكن أن تتلقف مختلف القوى السياسية الأمر من الآن وحتى موعد الجلسة، والتي في حال عدم انعقادها ستليها جلية ثانية الاثنين، ولكنّ السؤال الأكبر يبقى: هل تبقى البلاد في دائرة الشغور الذي يتمدّد من قطاع إلى آخر؟ وإذا كان هناك من يفترض أن نائب الحاكم يمكن أن يتحمّل المسؤولية، فماذا عن قائد الجيش الذي تنتهي ولايته بعد ستة أشهر؟ أليس الأوْلى بالرافضين أن ينتخبوا رئيسًا، اليوم قبل الغد؟!