فرنسا تعيد إنتاج مساعيها… هدنة رئاسية لمدة 60 يوماً؟
الأيام المتبقية من شهر حزيران الجاري وعلى أهميتها، لن تحمل حلاً لأزمة الشغور الرئاسي المستفحلة. الأمر ذاته ينسحب على شهر تموز المقبل. وإذا ما كان هناك من متغيرات، من المفترض أن تبدأ بالظهور تباعاً منذ منتصف آب وصعوداً لغاية أيلول، تزامناً مع وصول “الحفارة ترانس أوشن برنتس” لمباشرة أعمالها في حقل قانا المحتمل.
وعليه، ما يهم الفرنسيين بالدرجة الأولى طيلة هذه المرحلة وما سيتبعها حتى الخريف، تأمين استقرار سياسي – أمني بالحد الأدنى، تسهيلاً لمهمة “توتال” جنوباً. من هذه الزاوية يُمكن قراءة زيارة الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان إلى بيروت في ظل مساعي نشطة لتأمين “هدنة لمدة 60 يوماً على الأقل، تسهم في بدء الحديث الجدي في إنتاج حل” ، على ما تقول مصادر متابعة للزيارة.
والهدنة في القواميس اللبنانية الحالية، لا بد أن تبدأ، في الحد الأدنى، بتجميد الحديث حول المرشحين الحاليين لرئاسة الجمهورية، زعيم تيار “المردة” سليمان فرنجية والوزير السابق جهاد أزعور، والإنتقال إلى بحث في مدار أوسع ما يؤسس لولادة مخرج، تقول الواقعية السياسية إنه بات ممراً إلزامياً في ظل حالة الإستعصاء المكرّسة في جلسة الأربعاء الماضي. يصبح إذاً أن الدعوة إلى جلسة انتخابات رئاسية تحمل الرقم 13، مقرونة بنتائج الزيارة وما سيليها من نقاشات وأجواء، وهو ما باتت في جوّه غالبية المرجعيات السياسية.
هذا لا يعني أن الفرنسيين يريدون تأمين استقرار “بترولي” فقط، طالما أن مصالحهم في لبنان متشابكة بين ما هو إقتصادي وسياسي. بالنسبة إليهم، تأمين هدف الإستقرار يجب أن يعبر من ممر رئاسة الجمهورية متى كان هذا الملف موضع النزاع اللبناني الحالي وفيه تدور المماحكات، ومن قصور النظر أن يجري اختزال الرؤية الفرنسية برئاسة الجمهورية فقط.
عملياً، تحمل زيارة لودريان أبعاداً مختلفة، أوسع ممّا ذُكر أو سيذكر في الإعلام. تأتي بعد مراجعة مركزية تولتها الإدارة الفرنسية على صعيد الجهات المخولة متابعة الملف اللبناني لديها، توصلت إلى خلاصة مفادها ضرورة خلق دينامية جديدة، لها أن تدخل تحسينات وتغييرات “شاملة” على الرؤية الفرنسية للحل في لبنان من دون الخروج من فكرة “الواقعية” التي اتسمت بها الحركة الفرنسية، وتأتي بعد مماحكات داخلية فرنسية – فرنسية سببها تضارب الرؤى حول الحل المطلوب لبنانياً وطريقة الوصول اليه، إذ تفيد الأجواء أنها أثرت على صورة فرنسا أمام الشركاء في الملف اللبناني وعزّزت من عوامل التأجيل المتكرر لاجتماعات “الخماسي”. وما فُهم أن المراجعة تلك ربطت بين الأزمات اللبنانية ولم تحصرها في الشق السياسي، إنما نظرت إليه بمستوى أشمل، لكنها في الأساس أزمات متجذرة وتدور بين ما هو سياسي واجتماعي، ما يعني أن “الطاقم الفرنسي” أدخل مستويات جديدة إلى “خلية العمل” فجرى تعزيز الأفكار.
من زاوية ثانية، من الخطأ، تقدير أن زيارة لودريان محصورة في بحث الأزمة الرئاسية بمعنى البحث عن أسماء وما شاكل. الرجل يأتي متسلحاً بتعديلات فرنسية “إستثنائية” ليس على مبادرتها أو قراءتها للأزمة إنما لسبل الحل. وخلال زيارته التي ستدوم 3 أيام، سيسعى لودريان إلى تكوين فكرة عامة ويعزّز ما لديه من أفكار مستفيداً من اللقاءات التي سيجريها مع الكتل السياسية، لتأمين أجوبة حول أسئلة مركزية يسعى الفرنسيون لتأمين إجابات حولها، بعدما استخلصوا أن الأزمة الحالية في تكوينها ، نابعة من أزمة حكم ودولة واجتماع. وهنا، يصبح طرح فكرة إجراء إنتخابات نيابية مبكرة غير بريء ويتقاطع في أهدافه مع ما تسعى فرنسا إلى تطبيقه.
يُفهم إذاً أن ما سيجنيه لودريان ومن ثم سيحمله إلى باريس، سيفيد في السعي إلى إنتاج “تسوية” شاملة تتخطى موضوع رئاسة الجمهورية وتشمل ملفات مهمة كرئاسة الحكومة والمصرف المركزي وقيادة الجيش والتعيينات ودور المجلس النيابي في صيغته الحالية. فالزيارة سيكون عنوانها “البدء في تمهيد مرحلة إنتقالية”، ولن نكون أمام “سان كلو” إنما اتفاق دوحة “مصغّر” على قياس اللبنانيين.
“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح