محليات

تفاصيل الاجتماعات مع عون وباسيل… وهذا ما حصل قبل ساعات

حين وصف أحد النواب الجلسة الـ12 لانتخاب رئيس للجمهورية بـ”مشحة الدستور الأخيرة” لم يكن يدري ربما كل ما سيحوطها من ثغرات دستورية وقانونية حول عدّ الأوراق أو فقدان المغلفات أو تطيير النصاب ورفع الجلسة…

كل هذه التوصيفات طبعت الجلسة، إلا أنها أظهرت، في مقلب آخر، التزاماً حزبياً تاماً، من أكثر من طرف، إن كان لناحية النصاب المكتمل في مشهد شبه نادر لجلسات مجلس النواب، إذ غصّت القاعة العامة بـ128 نائباً، وصبّت الأصوات كـ”بلوكات حزبية”، (وإن كانت ثمة خروق مفهومة)، وسط استنفار كل كتلة قواها في الحضور والتصويت.

ولعل هذا الاستنفار اكثر ما يطبّق على “تكتل لبنان القوي” أو أكثر دقة على نواب “التيار الوطني الحر” الحزبيين، إذ بعد كل البلبلة والخلافات أو التباينات في وجهات النظر داخل حزب “التيار” حول تبنّي ترشيح الوزير السابق جهاد أزعور، وبعدما ظهرت الى العلن كل هذه الاختلافات الى حد التهويل بالشطب “والعقوبات”، برز التزام نواب “التيار” الحزبيين كلهم بالتصويت لأزعور. هذا التبنّي أو الالتزام يخصّ تحديداً النواب الأربعة إبراهيم كنعان، آلان عون، سيمون أبي رميا وأسعد درغام الذين عادوا واقترعوا لمصلحة أزعور، على الرغم من اعتراضهم عليه.

فما الذي حصل في الساعات الأخيرة قبيل الجلسة؟ وأي سيناريو أعدّ واتفق عليه، من أجل إعلاء شأن “وحدة الحزب” على أي شأن آخر؟

“ضميري على ضميركم”

في الحقيقة، هي سلسلة من الاجتماعات واللقاءات عُقدت قبل أيام من موعد الجلسة الـ12 رسمت الخطوة الأخيرة للنواب الأربعة. وكانت الساعات الـ24 الأخيرة هي المفصل الحقيقي في التزام جميع نواب “التيار” (لا نواب “التكتل”) قرار حزبهم.

وعلى عكس ما كان يشاع أو يظهّر إعلامياً من تشنّج أو تباين، أسهم فيه أحياناً عدد من النواب أنفسهم، فإن أكثر من “وساطة حقيقية وجدية” أدت مفاعيلها وأسهمت في “إطفاء فتيل الانقسام أو تشرذم حزب التيار” في لحظة زمنية حرجة لا يتمنّاها أو لا يريدها أحد منهم. ومما لا شك فيه، أن النواب الأربعة المعنيين بالاختلاف أسهموا هم أنفسهم في تذليل العقبات وعدم تكبير حجمها، على الرغم من بعض “الهمروجة الإعلامية” التي فعلت فعلها.

النواب الأربعة فضّلوا الامتناع عن التصريح: “ما تمّ قد تمّ”. وعلمت “النهار” بسيناريو اللحظات الأخيرة، إذ إن “الموقف المبدئي ضد أزعور لم يكن يتعلق بالانقسام السياسي – الطائفي أو الاصطفاف الحاصل، بل بنهج التيار والمسيرة التي تولاها العماد ميشال عون، في شقها الاعتراضي على السياسات المالية لأكثر من 30 عاماً، التي تولى أزعور جزءاً منها في ولاية امتدت لثلاث سنوات من 2005 الى 2008، حين تولى حقيبة وزارة المال”.

والموقف الاعتراضي لهؤلاء أتى منسجماً مع هذا المعطى “وليس أبداً اعتراضاً أو تجاوزاً لقرار حزبي، ولا سيما بالنسبة الى كنعان بصفته رئيساً للجنة المال والموازنة التي وثّقت الكثير في كتاب “الإبراء المستحيل” عن التجاوزات التي حصلت، لناحية الموازنات العامة الغائبة وعدم تدقيق الحسابات أو لجهة المؤسسات التي نشأت من داخل مؤسسات الدولة من دون أن تمر بالخزينة، وغيرها من المخالفات على صعيد سلفات الخزينة والهبات. فلم يكن من المنطق أو الانسجام الشخصي أولاً، أن يوافق هو والنواب الثلاثة، على أزعور نفسه، الذي يشكل جزءاً من نحو ثلاثة أرباع التجاوزات التي وُثّقت في الكتاب”.

عظيم، ولكن في النهاية، وافق هؤلاء لا بل منحوا صوتهم لأزعور. ما الطارئ الذي حدث في الساعات الأخيرة؟

وفق معلومات “النهار” فإن “ما حدث لم يكن طارئاً بل كان عملاً تراكمياً أو بالأحرى نتيجة سلسلة لقاءات واجتماعات تراكمت ووصلت في النهاية الى الموقف النهائي”.

في الرواية الحزبية، إن النواب الأربعة عقدوا منفردين لقاءات طويلة أولاً مع الرئيس العماد ميشال عون، وشرحوا له المعطيات. وكان رد الجنرال: “ضميري على ضميركم. لكن الوضع الراهن أو الحاجة تفرض علينا ذلك، وليس الاقتناع التام”.

تلى هذا الاجتماع لقاءان بين كنعان ورئيس التكتل النائب جبران باسيل.

خلال هذين اللقاءين، عُرضت كل الهواجس، والطرفان تكلما بصراحة. كان كنعان يركز على الشق المبدئي الذي كرّس عمل “التيار” وأعطاه “الصبغة” طيلة أكثر من 30 عاماً. وكان باسيل يفنّد “بالسياسة المبرّرات أو الأسباب الموجبة لترشيح أزعور”، فوصف اللقاء “بلقاء زمالة لا بلقاء بين حزبي ورئيس حزب”، إذ لم تصل اللغة مرة الى حدّ التهويل أو التهديد أو الشطب. كان الجوّ الداخلي أهدأ ممّا يُظهرّ إعلامياً.

الساعات الـ24 الأخيرة

الساعات الـ24 الأخيرة قبل انعقاد الجلسة، كانت هي الفاصلة عند النواب الأربعة وقرارهم، إذ عقد التكتل اجتماعه في منزل باسيل في البياضة، “لضرورات أمنية”. وبعد انقطاع لنحو اجتماعين، قرر كنعان، وحيداً، المشاركة في الاجتماع، فيما غاب النواب الثلاثة الآخرون.

في معلومات من داخل الاجتماع، تولى كنعان التكلم باسم هواجس النواب الأربعة المعترضين. طلب الكلام ليقرأ دراسة أعدها من 12 صفحة تضمّنت “ولاية أزعور المالية”، وما تحتوي من تجاوزات، منها: “تجاوز القاعدة الاثني عشرية، قبول الهبات من خارج الميزانية التي بلغت نحو 5900 مليار، سلفات خزينة تقدر بـ5700 مليار ، فضلاً عن قروض الاتحاد الأوروبي والملاحظات التي فنّدناها حولها وغيرها الكثير والكثير”.

كان ثمة حرص على إبراز أن “الموقف الاعتراضي ليس عناداً بل اقتناع بعمل أصبح نهجاً وإرثاً حزبياً”، وأن “كتاب الإبراء المستحيل ليس كتاب آلان عون أو إبراهيم كنعان أو سيمون أبي رميا، بل كتاب التيار وإرثه الذي بنى عليه سياسته وأداءه أعواماً وأعواماً”. وبالنسبة الى النواب المعترضين، المعادلة واضحة: “إن كان الخيار بين الموقع وهويتنا الإصلاحية، فمن دون شك، سنختار الهوية”.

تميّز النقاش خلال هذا الاجتماع، بالجدّية والانفتاح. لم يكن هناك تصادم، بل على العكس، كان هناك تأييد من عدد من النواب الآخرين.

ولكن ماذا كان ردّ باسيل وموقفه؟

في المعلومات، أسهب باسيل في الكلام والردّ، مشدداً على “الشق السياسي من المعركة الحالية”. وشرح أن “ما حصل كان تقاطعاً لا تحالفاً”، قائلاً: “نحن ندرك أن الأمر لن ينتج رئيساً، وإنما هي مرحلة أو خطوة مرحلية ضرورية كما لو أنها بمثابة معبر لنؤكد أن ثمة توازناً في البلد، ولا أحد يمكن أن يفرض علينا رئيساً. بالطبع، لا أحد سيتنكر لانتمائنا ولإرثنا الإصلاحي. هو موقف مرحلي، وصودف أن أزعور كان الشخص الوحيد الذي تقاطعنا حوله كقوى مسيحية”.
انتهى الاجتماع هنا. غادر كنعان وبدأت الوساطة مع النواب الثلاثة الآخرين. وكان إجماع على ضرورة “وقف الماكينة التي أطلقت لأن الجميع حرصاء على وحدة التيار”، وأن “لا أحد من هؤلاء يريد أن يختلف مع قيادة الحزب، والأهم أن لا أحد يريد كسر هيبة التيار أو إعلان تشرذمه في هذه اللحظة الحرجة”.

وهكذا كان. وقبل أقل من الساعات الـ24 الأخيرة من الجلسة، كان القرار اتّخذ عند النواب الأربعة “بالتزام قرار الحزب، والأهم لأنهم مدركون أن مرحلة إنتاج رئيس إصلاحي جدي ومنقذ ستبدأ ما بعد جلسة الأربعاء، لا خلال الجلسة، وأنه لا بدّ من التضحية بأمر بسيط أمام أمر أكبر منه”.

ربما من الإيجابيات التي حصلت أن القرار كان ذاتياً – داخلياً. في البدء كان قرار الرفض أو الامتناع ذاتياً، ومن ثم العودة عنه والرجوع الى الالتزام الحزبي كان أيضاً نتيجة عمل داخلي، لم يسهم به أي طرف خارجي، بل على العكس كان الهدف تطويق هذا الاستغلال أو فرصة “تقديم هدية الشماتة” الى الحلفاء، ربما، قبل الخصوم… وأخيراً، ربما ليس صدفة أن يجلس عادة كنعان وأبي رميا الى جانب باسيل في القاعة العامة، فكان كل نائب منهم قادراً بسهولة، على رؤية ورقة زميله… أما المفارقة الكبرى فكانت أن درغام لجأ الى تبديل ورقته بورقة زميل له، في محاولة لقطع الطريق الاستباقية أمام أي تحليل محتمل… أو “سكوب” فارغ لا قيمة له.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى