محليات

ثلاث مجموعات تدور في فلك السياسية السنية ولا قيادة موحدة!

كتبت جوانا فرحات في “المركزية”:

منذ انتهاء الحرب الأهلية لم يسبق أن واجه السنّة موقفاً مماثلاً في تاريخ الرئاسيات. فالدور الذي كانت تلعبه القيادة السياسية السنية ساهم في إطفاء الكثير من المحركات التي كادت أن تنهي مفاعيل الدور السني على الساحة السياسية في لبنان.

اليوم اختلفت كل التصنيفات. فتعليق الرئيس سعد الحريري نشاطه السياسي وضع حداً فاصلاً بين زمنين، وبمغادرته لبنان ترك وراءه طائفة  تبحث عمن يتزعمها بدلا منه، وتيار بلا قيادة ولا مستقبل، وبلد يعاني أخطر أزمة اقتصادية في تاريخه.

والحال إن القول بأن السنّية السياسية تعني الحريرية السياسية غير مبالغ فيه. فاعتزال الحريري، الذي يعد حدثاً نادرا في المشهد السياسي اللبناني، طرح علامات استفهام حول هوية  الخلف في ضوء طرح بعض الأسماء لنفسها، فضلا عن أسئلة حول توزيع التمثيل السياسي داخل الطائفة السنية بعد خروجه من المشهد، وانعكس ذلك على التركيبة الحاكمة في لبنان.

في عهد الرئيس رفيق الحريري كانت هناك قيادات سياسية سنّية موزعة مناطقيا وتعمل متعايشة مع قواعد المارونية السياسية التي حكمت البلد منذ الاستقلال وبات ما يحكى عن سنيّة سياسية،  مستوحى من مشروع رفيق الحريري الذي وحّد سنة لبنان لأول مرة تحت راية زعيم وحيد أوحد.

استشهاد رفيق الحريري فرض واقعا جديدا. حاول سعد تلقفه، لكنه كتب نهاية القيادة السياسية السنية بيده مع خروجه من الحياة السياسية وتعليق عمله فيها.  وعشية استحقاق جلسة انتخاب رئيس للجمهورية في 14 حزيران يبدو جليا  حجم الانقسام الداخلي بين الأفرقاء السنّة حول قراءة موحدة لمستقبل الطائفة وتكتلاتها، ما يجعل من الصعب الانتقال بدورها إلى مركز القرار مجدداً، كما يكشف عن “تبعية” بعض مكونات السنّة في مرحلة حساسة جدا. فهل يكون هذا الإنكفاء لحساب المكون الشيعي الذي يعيد ترتيب أوراقه في المعادلة السياسية وهذه المرة من باب الدستور؟

يربط النائب السابق مصطفى علوش مسألة تغييب الوجود السني بمحطة مفصلية هي اغتيال الرئيس رفيق الحريري ” من هنا بدأت عملية إضعاف الوجود السياسي السني على يد حزب الله، وترهيب مجموعة من القيادات خصوصا الرئيس سعد الحريري واغتيال رموز آخرها الوزير محمد شطح”.

اليوم ثمة مشهد جديد يتخطى واقع الغياب القسري الذي شكل الإرهاب جزءا منه. هناك مجموعات تمثِّل السنّة موزعة على الشكل التالي:  الثلث الأول موجود بقرار من حزب الله ووجوده من وجود الحزب وهو يعمل وفق إرادته وأوامره الصادرة من إيران. والثلث الثاني ينتظر حصته من معركة رئاسة الجمهورية إن في السلطة أو في النفوذ. يبقى الثلث الأخير الملتزم برؤية 14 آذار وتوجه الأحزاب المسيحية المعارضة للمنظومة السياسية والإحتلال الإيراني” ويضيف علوش “على رغم هذا التنوع في التوجه السياسي إلا أن ثمة واقعا فرضه اغتيال الحريري وهو اغتيال القرار السياسي”.   

الأكيد أن تعليق سعد الحريري عمله في الحياة السياسية في 24 كانون الثاني 2022 وعزوفه عن الترشح للإنتخابات النيابية التي جرت في أيار من العام نفسه كان بمثابة القشة التي قصمت ظهر الطائفة السنية في التركيبة السياسية اللبنانية. وفي وقت تتصارع النخب السياسية اللبنانية على إعادة تدوير نظام المحاصصة الطائفي، يعمد حزب الله الى الغوص أفقيا في المساحة الطائفية وهذه المرة من باب الترهيب السياسي عن طريق فرض قوة التوازن في الإستحقاق الرئاسي، بدلاً من توازن القوة، بقوة السلاح. فهل سيكون الرئيس المقبل بيدقاً آخر من بيادق حزب الله في بعبدا، أم سيكون بمقدور اللبنانيين انتخاب رئيس لهم جميعاً يدافع عن سيادة لبنان وتعدديتها ويحمي اللبنانيين من سلاح حزب الله وسطوته على الدستور والمؤسسات؟

التعويل ليس حصرا بالطائفة السنية لكن ثمة دور أساسي لعبته القيادة السياسية السنية على مدى العقود الماضية. وللمرة الأولى تبدو القيادة موزعة على مجموعات فهل من إمكانية لإعادة استنهاضها؟”ربما كانت هناك عدة احتمالات، لكن في ظل الوضع الإقليمي وتحديدا بعد الإتفاق السعودي-الإيراني وعودة بشار الأسد إلى الحضن العربي أمور كثيرة تغيرت. فالمملكة العربية السعودية لم تعد تطرح نفسها كما كان يتوهم المجتمع السني  كراعٍ أو مسؤولة عن السنة إنما تتخطاها للوصول إلى استقرار أبعد من السنة وكداعم إقليمي دولي”.

بإيجابية يتكلم مصطفى علوش عن التنوع في الخيارات السياسية السنية إيمانا منه بأن “الإصطفاف في مكان واحد لا يجدي نفعا ولتتخذ كل مجموعة قراراتها عن قناعة، مع التأكيد على عدم الخروج عن خيارات 14 آذار التاريخية”.

هل تنتج المجموعات الثلاث اللاعبة على الساحة السياسية السنية مجموعات جديدة وتؤدي إلى مزيد من التشتت؟ “على الأرجح لن يكون هناك قرار موحد في المدى المنظور على الساحة السياسية السنية ولا أخشى من أي تشتت، لأن الخشية تكون في العادة من المجهول إنما المعلوم أن هذا هو الواقع”يختم علوش.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى