كتب أنطون الفتى في “أخبار اليوم”:
تمضي اليوميات اللبنانية كالمُعتاد، وكأن لا أوضاع شاذّة تحتاج الى تعديل أو تغيير سريع، والتي من بينها ضرورة إنهاء زمن سعي الدولة الى تأمين أموالها وحاجاتها ورواتب العاملين في قطاعها العام من خلال الضرائب، والمزيد منها، ومن دون تدقيق شفّاف وتامّ بها.
مزاريب هدر
فالدولة “تنام” مرتاحة، وهي تحصل على كل ضرائبها مهما بلغت أرقامها، ومهما زاد التذمّر الشعبي، أو المطالبة بإجراء ولو بعض التدقيق في عدد من الأمور. فيما هناك حاجة ماسّة الى اعتماد قواعد أوضح، والبحث عن مصادر تمويل أخرى لخزينة الدولة، بطريقة علمية ومُنتِجَة أكثر، وبعيداً من جيوب الناس فقط.
ومن بين تلك المصادر، خفض الإنفاق الرسمي غير المُجدي الذي سيوفّر الكثير من المبالغ المالية، والذي سيقود حالاً وسريعاً الى إعادة هيكلة للمؤسّسات والإدارات العامة وللعاملين فيها، على حدّ سواء. فمن دون تلك الخطوة، لن تتوقّف مزاريب الهدر، والفساد، والحاجة الى فرض المزيد من الضرائب.
كما أن من دون تلك الخطوة، لا لزوم للحديث عن مفاوضات مع صندوق النقد الدولي، ولا للحصول على قرض من أي مؤسّسة مالية دولية.
سوء توزيع
شدّد رئيس التفتيش المركزي القاضي جورج عطية على أن “إعادة هيكلة القطاع العام، والبحث في مدى جدوى بعض المؤسّسات العامة وبعض الوحدات الوظيفية، يحتاج الى ورشة عمل ضرورية تشترك فيها الأجهزة الرقابية المعنية، وتتعاون فيها مع خبراء، تمهيداً للخروج بشيء واضح في هذا الشأن. وهذه خطوة أساسية أولى لأي إصلاح”.
ولفت في حديث لوكالة “أخبار اليوم” الى أن “لا فائض بالموظّفين في بعض المؤسّسات العامة. ولكن لا يحتاج لبنان الى العدد الإجمالي الموجود منهم، ناهيك عن سوء توزيع بعضهم، وهذه مشكلة أخرى أيضاً”.
حَوْكَمَة صحيحة
أكد عطية أنه “لا يجوز العمل بهذا الملف “عا القطعة”، بل وفق نظرة استراتيجيّة، تحدّد النظام السياسي الذي سيتمّ اعتماده فيه، لأن النتائج تختلف بين أن نكون ضمن لامركزية إدارية مثلاً، أو مركزية إدارية. بالإضافة الى الحاجة لوضع توصيف للخدمات التي يجب توفيرها للمواطنين”.
وأضاف: “هذه خطط ضرورية لتحديد القطاعات التي يُمكن خصخصتها مثلاً، أو مَنْح امتياز لإدارتها، والمعاملات التي يجب مكننتها من أجل توفيرها للمواطن بطريقة أفضل. ومجموع هذا كلّه يوضّح الصورة أكثر، والرقابة التي يتوجّب ممارستها على كل مرحلة من مراحل التنفيذ، وهو ما يمهّد لتحقيق الهدف، أي تأمين خدمة عامة تصل للناس بأعلى معايير الاحترام للعدالة الاجتماعية، وللشفافية، والمساواة، وكرامة المواطن، بكلّ مسؤولية، وبالحفاظ على خصوصية البيانات، وهي أمور أساسية للحَوْكَمَة الصحيحة”.
قراءة جديدة
أشار عطية الى “الحاجة لقراءة جديدة لمفهوم الخدمة العامة ولكيفية إيصالها للمواطن، ضمن إطار الأنظمة الإدارية المُراد اعتمادها، سواء بلامركزية إدارية مثلاً، أو مركزية إدارية”.
وختم: “هذا فضلاً عن الحاجة الى جدية في البحث عن بعض الخطوات الأخرى، والتي من بينها ربما التفكير بنتائج موضوع الخصخصة مثلاً، على مستوى مَنْح استقلالية مادية ومعنوية للمؤسّسات العامة، بشكل يمكّنها من أن يكون لديها ميزانية خاصّة وقادرة على توفير حاجاتها، من دون الاتّكال على الخزينة العامة”.