تفاقم أزمة نفايات عكار… والحلول مُعطّلة
كتب مايز عبيد في “نداء الوطن”:
تعدّ مشكلة جمع النفايات، الأزمة الأسوأ التي تشهدها عكار وطرقاتها العامة والأحياء والشوارع في قراها وبلداتها. أزمة عمرها سنوات والحلول موجودة لكنّها معطّلة لغياب القرار الرسمي والسياسة الحكومية الجادّة في المعالجة.
فمع اقتراب فصل الصيف، مشهدٌ واحد يعمّ الكثير من القرى والبلدات، هو مشهد النفايات المتراكمة. وتعلو صرخات المواطنين في وجه المسؤولين، لكنّ البلديات أو معظمها، تُبدي عجزاً واضحاً عن التغلّب على هذه المشكلة، خصوصاً وأنّ أكثرية بلديات عكار تتخلّص من نفاياتها عبر طمرها في مكبّ سرار. وتفاقمت الأزمة منذ مدّة بسبب الإرتفاع المستمر في سعر صرف الدولار، بالتوازي مع «دولرة» كلفة نقل النفايات عبر شركة الأمانة العربية المالكة إلى مكبّ سرار، ما أضعف قدرة العديد من البلديات على نقل نفاياتها إلى المكبّ للتخلّص منها.
المشهد في هذه الأيام هو عبارة عن عشرات المكبّات العشوائية. كيفما اتّجهت هنا وهناك لا سيّما على مداخل المحافظة وطرقاتها الرئيسية لا تقع عيناك إلا على أكوام النفايات، حتى أنّ المستوعبات التي وضعتها البلديات في نطاقها الجغرافي تحوّلت هي الأخرى مكبّات امتلأت وفاضت، فاختفى المستوعب بين أكوام النفايات المنتشرة والمتراكمة. ويقول رئيس بلدية برج العرب عارف شخيدم لـ»نداء الوطن»: «نحن في بلدة برج العرب لدينا نزوح سوري ونزوح من قرى وبلدات عكارية أخرى سكنت في بلدتنا نظراً لموقعها القريب من حلبا والعبدة وطرابلس؛ هذا عدا عن سكّانها الأصليين، وهناك ضغط كبير على البنى التحتية وفي مسألة النفايات بالتحديد. عائدات بلديتنا من الصندوق البلدي المستقل في السنة 200 مليون ليرة، في حين أنّ هناك حاجة كل شهر إلى 10 نقلات بالشاحنات، كلفة كل واحدة منها 300 دولار أميركي، أي ما يعادل 3000 دولار كلّ شهر، وهذا رقم يتخطّى كل موازنة البلدية. استطعنا تأمين جمع النفايات لمدة 4 أشهر عبر تقديمات المغتربين من أستراليا، ثم عدنا مجدّداً إلى المربّع الأول في الأزمة».
وعن مسألة إشراك المواطنين في حلّ المشكلة يرى شخيدم «أنّ هذه الخطة لم تثبت فعاليتها أو ديمومتها لأنّه بإمكانك أن تجمع المال من الناس مرّة ولكن ليس كل مرة، خصوصاً وأنّ الدولار كان في مكان وصار في مكان آخر، وتحتاج إلى جمع مبالغ كبيرة بالليرة اللبنانية حتى تتمكّن من تأمين النقل، فتجاوب الناس خفتَ لهذه الأسباب مع أننا نظّمنا لجاناً محلية للعمل على هذه الخطوة».
أما عن رؤيته للحل فيقول: «هناك حلّ آني وهناك حلّ طويل الأمد. أما الآني فيكون بأن نتساعد كبلديات مع المسؤولين عن مكبّ سرار الذين عليهم مراعاة وضع البلديات، لا سيّما تلك التي تعدّ عائداتها من الدولة قليلة، وهي تعرف أن الدولة لا تدفع المستحقّات بشكل دائم إنما تتأخّر بذلك، تماماً كما نحن نعرف بأنّ مصاريف الشركة قد زادت ولكن ينبغي أن نلتقي جميعاً في منتصف الطريق لتمرير المرحلة الصعبة بأقلّ خسائر. أما الحلّ الدائم فهو بتشغيل معمل الفرز في سرار الذي يوفّر على البلديات أكثر من 50 في المئة من تكاليف وأجور النفايات».
ويختم شخيدم حديثه بالقول: «نعم هناك أزمة حقيقية وكارثة على أبواب فصل الصيف من كل النواحي، والمسألة بحاجة إلى خطة طوارئ على مستوى الجميع في عكار من أجل إيجاد الحلول، كما على وزارة البيئة أن تلعب دورها في هذا المجال، والصحّة أيضاً، لكي لا تتفاقم المشاكل الصحّية». وطالب الجهات المانحة بتحمل مسؤولياتها في الأزمة معنا لا سيما وأن جزءاً كبيراً من هذه النفايات يأتي من مخلفات السوريين.
معمل الفرز
ولكن كيف يحلّ تشغيل معمل الفرز المشكلة؟
في الواقع، في قرية سرار حيث يوجد مكبّ ومطمر النفايات، تم بناء معمل للفرز بدعم وتمويل من الإتحاد الأوروبي وإشراف وزارة التنمية الإدارية، وأُسند تشغيله لشركة الأمانة العربية، والمعمل جاهز للعمل لكنّه مقفل حتى اللحظة، كغيره من معامل عدة في المناطق بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار. وبحسب الدراسة المعدّة، فإنّ هذا المعمل كان من المفترض أن يعالج الجزء الأكبر من نفايات عكار ويوفّر على جزء كبير من بلديات المنطقة تكاليفها، لأنّ الدولة كانت ستتكفّل بها. لكنّ شركة «الأمانة العربية» التزمت من الدولة الفرز على أساس 25 دولاراً للطن الواحد عندما كان سعر صرف الدولار حينها 1500 ليرة لبنانية. القيّمون على الشركة يرون أن لا إمكانية لهذه الإتفاقية أن تنفّذ وفق العقد القديم بعدما أصبح الدولار في مكان آخر، ويطالبون بحلّ وسط بينهم وبين الدولة وبعقد جديد يضمن لهم الإستمرار من دون خسائر.
معالجات فردية لكن قاصرة
وفي انتظار ايجاد الحلّ النهائي للمشكلة، فإنّ المعالجات تحصل بأكثر من صيغة. بعض البلديات يقوم بجمع نفاياته أو جزء منها، مرّة واحدة في الشهر الواحد أو أكثر، عبر جمع كلفة النقل من المواطنين. وهناك بلديات أخرى توقّفت عن الجمع بشكل تام؛ وبلديات بالمقابل عانت من المشكلة في بداياتها ثم جاء الحلّ من مبالغ شهرية بالدولار تأتي من مغتربيها. ويظهر في المشهد دور لمبادرات فردية يقوم بها الأهالي، حيث يقوم سكان كل حيّ بجمع كلفة نقل نفايات حيهم من بعضهم البعض وتأمين أجور نقلها إلى مكبّ سرار.
لكنّ هذه المعالجات تبقى قاصرة باعتراف أصحابها أنفسهم. فمصطفى الريّس الذي قاد مبادرة في حيّه في إحدى قرى عكار، قال لـ»نداء الوطن: «بعدما تراكمت النفايات لأكثر من شهرين جمعنا من السكان مبلغ 200 ألف ليرة عن كل بيت، وأرسلناها إلى مكبّ سرار. جرى ذلك بصعوبة في المرّة الأولى وأعدناها في المرّة الثانية، ولأنّ هناك حاجة لجمع النفايات أقلّه في الأسبوع مرّة أصبحت الأمور صعبة علينا، إذ لا إمكانية أن نجمع من الناس بشكل دائم. فالكلّ أوضاعهم صعبة ومبلغ 200 ألف لم يعد يكفي لأنّ الأكلاف زادت وبتنا بحاجة إلى 500 ألف عن كل بيت».
أين وزارة البيئة؟
موضوع تشغيل معمل الفرز طرحه سابقاً رؤساء بلديات عكارية مع وزراء البيئة ومع الوزير الحالي ناصر ياسين مطالبين بتدخّل الوزارة لتشغيله. الوزير كان يردد أنّ تشغيل المعمل يأتي من ضمن خطة أعدّها لكل المعامل المشابهة لعرضها على مجلس الوزراء تتضمّن تحديد دولار خاص بالنفايات يضمن حقوق الشركات المشغّلة ويمكّن البلديات من معالجة المشكلة. وتتساءل هذه البلديات مجدّداً أين أصبحت خطة الوزير هذه ومتى سيتم تشغيل المعمل؟ وهل سيحصل ذلك عندما يأكل الدهر على آلاته ومعدّاته ويشرب؟