محليات

قوارب الموت تستعدّ للإبحار والحجز بـ”الفريش دولار”!

يبدو أن ليست الطيور المهاجرة التي تظلل منذ أيام سماء لبنان هي المؤشر الطبيعي الوحيد على وداع فصل الشتاء. ثمة مؤشر غير طبيعي وينذر بما لم يعد فيه من شك… الموت غرقا في قوارب الموت.

فمع بدء انقشاع غيوم الكانونين وشباط اللباط، عادت زوارق الموت للتحرك استعدادا لنقل العائلات إلى ما يفترضونها حياة جديدة وراء حدود الذل والفقر. حتى اليوم يحكى عن أرقام “مخيفة” بحسب الكاتب والمحلل السياسي أحمد الأيوبي إذ بات مؤكدا وبالأرقام أن عدد الأشخاص الذين حجزوا أماكنهم على قوارب الموت وصل إلى 3000 شخص ودفعوا المبالغ المطلوبة سلفا بعدما باعوا الأخضر واليابس وباتوا “على الحضيض”. وهم يستعدون لركوب أمواج البحار هربا من الضائقة المعيشية والإجتماعية غير آبهين بمشاهد قوافل من سبقوهم إلى الهرب على قوارب الموت وعادوا جثثا هامدة بعدما قضوا غرقا، ومنهم من لا يزال في عمق البحر. وبحسب الأيوبي فإن غالبية الأفراد والعائلات الذين حجزوا أسماءهم هم من بلدة ببنين الشمالية والجوار ومن جنسيات لبنانية فيما الأقلية من جنسيات سورية وفلسطينية.

عملية تشغيل محركات قوارب الموت تحصل بعلم الأجهزة الأمنية، يقول الأيوبي ومن دون أن تحرك الدولة ساكنا، أو تُقدم على اتخاذ إجراءات وتدابير إحترازية لتوقيف العصابات التي تنشط على خط الإتجار بالبشر. وما يعزز حركة العصابات اندفاع ابناء طرابلس عموما وبلدات ببنين والجوار اخيرا على الهجرة غير الشرعية نتيجة تفاقم الأزمة الإجتماعية والإقتصادية “وهذه إحدى مظاهر تحلل الدولة”.

إلى مهام العصابات التي لا يهمها سوى قبض أموالها سلفا وبالفريش دولار، يبدو أن متفرعاتها تعمل على غسل دماغ الأهالي وتحديدا رب العائلة من خلال إيهامه بحياة رغيدة لحظة اجتياز القارب حدود المياه الإقليمية . وعن المخاطر التي تحوط بالرحلة تعمل هذه المجموعات على التخفيف من حدتها وإبعاد سيناريوهات الموت عن مخيلة الطامحين إلى الهرب من قعر الجحيم من خلال تظهير صور لأشخاص نجحوا في الوصول إلى إحدى الدول الأوروبية وهم يعيشون اليوم”أحلى عيشة”. والصحيح أن الغالبية تتخبط بوحول الذل لكن في كنف دولة أوروبية وتحت مظلة شرعية.

والأكيد، يضيف الأيوبي أن “حصانة” هذه العصابات تتفوق على الدولة وأجهزتها. ” مثلا في ببنين هناك مراكب تتحضر لنقل مهاجرين غير شرعيين من البلدة وجوارها والدولة والأجهزة الأمنية تعلم أين يتم دفع المبالغ المالية المطلوبة وهوية أصحاب هذه الزوارق. قد يكون اليأس وعدم مواكبة السلطة القضائية وراء حال الإحباط والتلاشي الذي تعيشه الأجهزة الأمنية خصوصا أنه في كل مرة يتم توقيف الرأس المدبر لعصابات التجارة بالبشر يصار إلى إطلاق سراحه بعد ساعات أو أيام كما الحال في مسألة الحرب على المخدرات. فالجيش اللبناني الذي يلاحق عصابات التهريب ويدفع ثمن ذلك شهداء من “خيرة الشباب” يصطدم بعدم مواكبة القضاء لهذه الحرب. لكن بالتوازي لا يمكن الإنكار بأن بعض من في الأجهزة الأمنية  متواطئ مع هذه الشبكات لكن الحق يقال أن تقاعس القضاء وعدم الجدية في الملاحقة يدفعها إلى التراخي”.  

بالأرقام يشير الأيوبي إلى أن عدد العائلات التي هاجرت بلدة ببنين تخطى ال5000 منذ بدء موجة الهجرة على قوارب الموت. “وهذا ينذر بتغيير ديمغرافي خطير على مستوى هذه البقعة الجغرافية”. واستطرادا يسأل بإسم أبناء طرابلس” كيف يمكن أن تقنع لبنانيا بالبقاء وحال النازح السوري أفضل منه كونه بات متمكنا أكثر من الحياة. ففي حين يسمح له بافتراش بسطات الخضار على جوانب الطرقات يمنع هذا الأمر على اللبناني، وإذا تجرأ وفعلها “تطب” عليه عناصر البلدية و”تقبعه”. أكثر من ذلك ، لماذا يُمنع على إبن طرابلس  قطف شجر “الزفِير” (نوع من أشجار الحمضيات يصنع من براعمه شراب ماء الزهر والمربى من ثماره) في حين تنشط عصابات من النازحين السوريين على قطفه وتصنيعه وتحت انظار الدولة والبلدية. ولماذا يسمح للنازح السوري أن يقوم بأعمال التجارة الحرة على حساب أرزاق إبن البلد في حين ان اللبناني وتحديدا إبن طرابلس يكون مكبلا من قبل الدولة والبلدية”. ويشير إلى أن “غالبية النازحين الذين ما زالوا يسرحون ويمرحون فوق القانون وهم موالون للنظام السوري، والدليل أنهم يدخلون الحدود ساعة يشاؤون ويخرجون منها من دون مساءلة. مما يعني أن الهدف من بقائهم على الأراضي اللبنانية إقتصادي ومالي وإستنزافي وليس سياسيا أو أمنيا”.

قد يكون إبن طرابلس القابع تحت سقف الفقر فهِم الرسالة، وما عاد يسأل عن مصيره “المهم أن يهاجر”. ووفق التقارير فإن وجهة غالبية المهاجرين اللبنانيين غير الشرعيين هي إيطاليا. وإذا حصل وتمكنوا من الإفلات من أيدي العصابات المنظمة التي  تعترضهم بالإتفاق مع أصحاب القوارب بهدف خطف العناصر الشابة ونقلها إلى مخيمات عسكرية حيث يتم تدريبها للقيام بعمليات أمنية وإرهابية  كما حصل آنفا مع إحدى العصابات اليونانية، فإذا نجوا من ذلك حتما لن يكونوا على موعد مع طبق بيتزا إيطالية ساخنة، إنما الإقامة الجبرية في مخيمات. وما أدراكم بحال البؤس والمعاملة التي يلقاها المهاجرون الذين خلصوا من شباك مكائد عصابات القوارب والموت غرقا، يختم الأيوبي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى