نجيب ميقاتي يستنفد أنفاسه: الغرق في فراغ الدولة المتعاظم
لم يبق في الساحة غير نجيب. لا يلقى الرجل أي مجيب. يبدو كمن يقف عارياً في حقل ألغام. تنفجر القنابل من حوله. تحاصره أزمات، يصيبه الرصاص. هو التعبير الأوضح عن ما تبقى من دولة. إذ يلاطم أمواجاً عاتية، غير قادر على النفاذ من الغرق، يغرق معه كل شيء. تواجهه أزمات التعليم، الصحة، المصارف، القضاء، المال، المحروقات، الكهرباء. تجابهه أزمات السياسة والدستور، صراع الصلاحيات والتطويق. لم يبق إلا أن يصاب الرجل بنزلة برد تؤدي إلى حرارة مرتفعة، فيكون الانفجار.
تبعات وتداعيات
يضاف إلى انهيار مؤسسات الدولة اللبنانية، تسرّب الفراغ إلى مواقعها الأساسية. فبعد الشغور الرئاسي والانقسام القائم حول آلية عمل مجلس الوزراء، تواجه الحكومة اللبنانية استحقاق شغور موقع المدير العام للأمن العام، مع ما سيكون له من تبعات وتداعيات. أشهر قليلة على موعد انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان. على ضفة المؤسسة العسكرية الصراع يشتد ويتوسع بين وزير الدفاع وقائد الجيش. وهو الأمر الذي أصبح قابلاً لعرقلة اتخاذ القرارات الإدارية. التيار الوطني الحرّ يعرقل جلسة للجان النيابية المشتركة، رفضاً واحتجاجاً لآلية توقيع المراسيم. مدعي عام التمييز ردّ عليه، كما ردّ المجلس الأعلى للقضاء، في رفض التدخل بعمل السلطة الثالثة. وهكذا تتوالى الأزمات فيما لن يكون ميقاتي قادراً على حلّها أو معالجتها ولا حتى معالجة تداعياتها.
طلبات السيّد
لنجيب ميقاتي حكاية طويلة مع الفراغ. تولى أولى حكوماته في لحظة فراغ سياسي، وكمرحلة انتقالية لتنظيم الانتخابات النيابية في العام 2005 بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري. تولى حكومته الثانية في ظل انقلاب على الرئيس سعد الحريري. فكانت مرحلة انتقالية ما بين تسوية إقليمية دولية حول لبنان إلى الدخول في مرحلة الانقلاب، والذي انعكست نتائجه في السنوات الفائتة. حالياً وصل الرجل إلى حالة البحث عن سدّ الفراغ. وهو الذي يصف نفسه بالمرونة ومدوّر الزوايا. لكنه، غير قادر على عقد جلسة للحكومة من دون مشاركة حزب الله وحركة أمل، في ظل مقاطعة التيار الوطني الحرّ. تلك الحاجة إلى الطرفين في مقابل التعطيل المتقابل بين القوى المختلفة، هو الذي أجهض أي محاولة للتمديد لمدير عام الأمن العام اللواء عباس ابراهيم. علماً أنه حين طلب التمديد من ميقاتي باسم أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله أجاب: “طالما أن السيد طلبها مني فسألبيها”. لكنه لم يتمكن من ذلك، ما بين التمديد لإبراهيم والعلاقة الجيدة مع برّي حكماً يختار ميقاتي الثانية. ولكن لا بد من السؤال عن تداعيات ذلك وماذا سيكون ردّ فعل حزب الله؟ وهل يمكن للحزب أن يعرقل جلسات الحكومة لاحقاً؟
عوارض المرض
رميت كرة التمديد لإبراهيم في ملعب رئيس الحكومة، كما رمي السعي إلى معالجة الأزمة بين القضاء والمصارف، وكذلك معالجة تداعيات شغور موقع رئاسة الجمهورية. كل هذه الأزمات عبارة عن قنابل تنفجر في وجه رئيس تيار العزم. وهو الذي وصل إلى مرحلة يشبه فيها حال البلد، بكل ما تتفجر فيه من أزمات، وسط عجز كامل على معالجة تداعيات المرض وعوارضه وليس المرض من أصله أو جذره.
تصارع آخر يتجاذب الرجل، بين توجهات ومسارات عمل حاكم مصرف لبنان، وبين الضغوط الخارجية والداخلية على رياض سلامة. فمثلاً، في اليوم الأول لتسريب معلومات عن احتمال فرض عقوبات على حاكم مصرف لبنان، تسّربت معطيات عن رئيس الحكومة بأنه لم يعد يعول على دور حاكم المصرف المركزي لتخفيض سعر الدولار بالسوق السوداء. ووصف التسريب سلامة بالعاجز. في اليوم التالي، ومع نفي السفارة الأميركية لمسألة العقوبات وإجراء الاتصال بسلامة، نفت دوائر ميقاتي التسريب وعاد للاجتماع مع حاكم المركزي.
سلسلة العواصف
يقع ميقاتي بين سندان الداخل ومطرقة الخارج، خصوصاً بما يتعلق بالتفاوض مع صندوق النقد الدولي. هو يعلم أن لا رغبة داخلية لأي اتفاق مع صندوق النقد، وكل سياسة حاكم البنك المركزي وقطاعات مالية واقتصادية وقوى سياسية تقوم على ذلك. فيما يتعرض لضغوط كبرى خارجياً للذهاب إلى تنفيذ الشروط المطلوبة لتوقيع الاتفاق. المشكلة هنا أن ميقاتي يتعاطى في هذا الملف كما هو حال فترات توليه لرئاسة الحكومة، كنوع من إدارة الفراغ أو المراحل الانتقالية.
عملياً، لم يتبق لدى الرجل مجال للحلول أو المعالجات. التعطيل يحيط بحكومته مجدداً، حتى أن البنود القليلة التي يتم ادراجها على جدول أعمال الجلسات لا تقرّ بل تتأجل. ما انطبق على عدم التمديد لإبراهيم قد يسري على استحقاقات كثيرة، فيما يطّل مشهد آخر يتعلق بتعطيل عمل اللجان النيابية المشتركة اعتراضاً على أداء الحكومة ورئيسها. في مواجهة هذه العواصف عبّر ميقاتي الأسبوع الفائت عن عدم رغبته بتولي رئاسة الحكومة مجدداً. بينما ثمة من يتهمه بأنه لا يزال يسعى إليها، كأحد عناصر تلبية مصالح وتقاطعات داخلية وخارجية. هذا ما يدفع كثر إلى الهجوم عليه، فيما ثمة من يقول إن فيتوات كثيرة تحيط به، فلا يرونه لا مع سليمان ولا مع دوكان أو بن سلمان.
المصدر: المدن