عيد الجيش: لا احتفال.. وهكذا قرر أن يعايد
قرّر الجيش اللبنانيّ عدم تنظيم مظاهر احتفالية أو مقابلات إعلامية خاصّة بمناسبة عيده في الأول من آب هذه السنة، آخذاً في الاعتبار احتدام الأوضاع القتالية على الحدود اللبنانية الجنوبية حيث لا متّسع للاحتفال على جدول المؤسسة العسكرية في زحمة أوضاع أمنية واجتماعية وسياسية لبنانية لم تترك مجالاً للإحياء الاحتفاليّ انطلاقاً من تقييمه لكلّ ما يحصل إضافةً للأحوال الخاصّة بالجيش اللبناني التي ليست في أوْجِها رغم استطاعته مجابهة التحدّيات القاسية التي لا يمكن الاستهانة بها، فيما إنّ كثرة الأعمال التي باتت ملقاة على عاتق الطاقم العسكريّ وتحمّله مسؤولية جغرافيا وطنية بكل أطيافها والعراقيل الاقتصادية تجعله أيضاً خارج حلقة التلهّف للعيد، خصوصاً أنّ ثمة انتقادات في أروقة الجيش تطاول بعض الأجهزة الأمنية الأخرى التي لا تقوم بالأعمال التي لا بدّ أن تنفّذها، فإذا بالمؤسسة العسكرية تكلَّف بما ليس ضمن واجباتها شمولاً في التحرّك ضبطاً للإشكالات المناطقية والطائفية التي تجعل من عسكريي الجيش ينتشرون على الأرض، وصولاً لتولّيه مكافحة المخدّرات التي ليست ضمن أعماله لكنّه يضطر للتدخّل تصدّياً للآفة التي تنتشر بسرعة مقلقة في لبنان فإذا بالجيش يعمل على توقيف مدبّرين وتجّار مخدّرات أساسيين.
ولا يمكن إغفال الأعمال التي تتولاها المؤسسة العسكرية في الأصل شمولاً بالتصدّي للإرهاب ومكافحة الهجرة غير الشرعية وضبط الحدود اللبنانية، والتي باتت تحتاج عناء أكبر وسط غياب الاستقرار وموجات النزوح التي كانت تفاقمت في الأشهر الماضية، فيما ثمة تحدّيات لوجستية وخاصّة بطبيعة الحدود الشمالية والشرقية الوعرة والشاسعة في آن، والتي تحتاج أكثر من فوج لضبطتها خصوصاً في مناطق تستدعي انتشار عديدٍ عسكريّ كبير، وهذا ما ليس متاحاً في هذه المرحلة في ظلّ تنوّع الأعمال التي يتولّاها الجيش حاليّاً. لكن، هناك أفقٌ جيّد يقلّل من التحديات لناحية المشاريع الخدماتية تعمل عليها المؤسسة العسكريّة بخاصّة في المناطق البعيدة عن العاصمة بيروت وتلك الحدودية منها حيث نظّمت الأراضي الزراعية وعملت على بناء الطرقات التي سهّلت استثمار الأهالي لأراضيهم.
رغم كلّ التحديات التي لا يمكن إهمال تأثيرها وبخاصة الاقتصادية والوطنية منها لكن للمؤسسة العسكرية لا تزال قادرة على التماسك وسط هامش من الحرية للعسكريين للعمل في قطاعات أخرى والتعديلات التي أضيفت على الرواتب وإن لم تكن على قدر محفّز لكنّها ساعدت على بقاء الجيش أقلّه إضافةً للتقديمات التربوية والصحية التي منها تأتي من خلال مساعدات خاصّة. وفق “النهار”، استطاع العسكريون الحصول أيضاً على الـ100 دولار المخصّصة لهم حالياً كمساعدة دولية بعدما كان توقّف دفعها سابقاً لأسباب لوجستية وإدارية كانت أخّرت الحصول عليها. وهناك طمأنينة لأفق موجود للمؤسسة العسكرية من ناحية طلبات تطوّع، فيما لا يزال الجيش اللبناني صامداً ويقوم بأعماله رغم الإشكاليات اللبنانية المتراكمة.
ووجه قائد الجيش العماد جوزف عون “أمر اليوم” بمناسبة عيد الجيش وجاء فيه: “أيّها العسكريون، تسعةٌ وسبعونَ عاماً من شرف التضحية والوفاء لوطننا الذي تعصفُ بهِ رياحُ التحدّياتِ والأزمات، ولا يزالُ صامداً بصمودِ جيشِهِ الذي يثبتُ يوماً بعد يومٍ أنَّ رجالهُ الأبطال ملتزمون بقسمِه، وقد سطّروا البطولات في مواجهة الأعداء من العدوِّ الإسرائيليِّ إلى الإرهاب، مروراً بالمخلّينَ بالأمن والخارجين على القانون. سنواتٌ منَ التفاني والتضحية قدّمَ الجيش خلالها خيرة شبابه للدفاع عن لبنان وأهله، ومنهم مَن ضحّى بدمائه مستشهداً أو مصاباً فداءً للمهمّةِ المقدّسة، التي لا تزال أولويةً بالنسبة إليهم. أيّها العسكريون، يواجه وطنُنا أقسى الأزماتِط والتحدّيات، السياسية منها والمالية والاجتماعية، فضلاً عن التهديد المتمثّل بالاعتداءات اليوميّة من قبل العدوِّ الاسرائيلي، وما تُوقعُهُط مِن ضحايا وتُسبّبه من دمارٍ وتهجير. في المقابل، لا تزال مساعي التهدئة لوقف الاعتداءات مستمرّةً وصولاً إلى وقفٍ دائم لإطلاق النار، فيما تُواصلُ الوحدات العسكرية المنتشرة في الجنوبِ التنسيق مع قوّة الأمم المتحدة المؤقّتة في لبنان، ضمن إطار القرار 1701، على أمل أن يستعيد جنوبُنا الهدوء وينعم أهلُنا بالأمن والاستقرار. في الوقت عينِه، تتابعونَ جهودَكم للحفاظ على الأمن وضبط الحدود في سائر المناطق، غير آبهين بكلِّ الحملات التي تستهدف المؤسّسة العسكرية لغاياتٍ مكشوفة. أما أنتم فتزدادونَ عزيمة، وتُعزّزون بصمودكم ثقة اللبنانيين بوطنِهم، وتساهمون في إعادة المغتربين إلى ربوعه، وتستمرُّ القيادة في موازاة ذلك بالوقوف إلى جانبكم وتوفير مقومّات صمودكم. إنَّ ما تتمتّعونَ بِه من حسٍّ وطنيٍّ واندفاعٍ يجعلُكم مصدر الأمل والضمان لوحدة لبنان وديمومته، ويزيدنا فخراً بكم، وبذلك تكتسبون مكانةً رفيعةً في وجدان اللبنانيين ولدى المجتمع الدولي. أيّها العسكريون، تضحياتُكم هي الضمانة لبقاء لبنان. تمسّكوا بشعاركم، شعار الشرف والتضحية والوفاء. ابقوا ثابتين في مؤسّستكم التي لا تتخلّى عنكم ولا عن عائلاتكم. وإلى شبابنا الذين يطمحون لبناء مستقبلهم في الخارج، ندعوهم إلى التمسّك بوطنهم لأنه بحاجةٍ إليهم، والمؤسّسة العسكرية بحاجة إليهم أيضاً، فهي جاهزة لاستقبالهم في صفوفِها لندافعَ معاً عن وطنِنا. لا تفقدوا الأمل بوطنِكم، لأنَّ الأزمة ستنجلي حتماً، وسيستعيد لبنان بريقَهُ وازدهارَه، وسيستعيدُ الشعب اللبنانيّ مكانته في محيطه. يستحقّ لبنان منّا كلَّ تضحية، ومعاً نستطيعُ النهوض به مجدَّدًا”.
المصدر: النهار