الخلاف “القواتي” – “العوني” إلى أين؟
ليس جديدًا ذاك السجال الخلافي بين “القوات اللبنانية” و”التيار الوطني الحر” على خلفية رفض “معراب” التجاوب مع مطلب “ميرنا الشالوحي” التجاوب مع دعوة الرئيس نبيه بري إلى جلسة حوارية يترأسها هو بنفسه وليس أحدًا أخر غيره. صحيح أن الخلاف “القواتي – العوني” قديم، ويعود في الأساس إلى مخلفات “حرب التحرير” وما تلاها من مناوشات سياسية وعسكرية لم تتوقف إلا عندما التقت مصلحتهما المشتركة عند تقاطع انتخاب العماد ميشال عون رئيسًا للجمهورية من ضمن ما عُرف “اتفاق معراب”، الذي سقط عند أول امتحان عندما اختلط حابل المصالح الخاصة مع نابل المصلحة العامة. وقد يكون التقارب الظرفي بينهما، وإن يكن من دون تنسيق مسبق، قد أملى على النائب جبران باسيل التماهي مع “المعارضة” في دعم مرشحها الوزير السابق جهاد ازعور، غير مترجم بتوافقات على نقاط كثيرة لا تزال تشكّل علامات فارقة في علاقة لم تخلُ في يوم من الأيام من التوتر العالي.
وقد ترك هذا التوتر أثاره السلبية العميقة على الساحتين المسيحية واللبنانية عند المفاصل المهمة منذ العام 1989 حتى اليوم، وبالأخصّ بعد تفاهم “مار مخايل”، الذي شكّل نقطة خلاف أساسية في تاريخ الحزبين المسيحيين الأكثر تمثيلًا نيابيًا، بحيث كان التنافس بينهما كبيرًا إلى درجة الخصومة التاريخية، التي لم تشهدها الساحة السياسية حتى في زمن الحرب، الذي لم يخلُ من المبادرات الحوارية، وإن لم تؤد إلى ما ينهي مآسي الحرب باستثناء الحوار، الذي رعته المملكة العربية السعودية بدعم من الولايات المتحدة الأميركية، وقد انتج اتفاقًا عُرف باسم مدينة الطائف، التي جمعت نواب الأمة آنذاك.
فهذه الخصومة بين “القوات اللبنانية” و”التيار الوطني الحر” لم تُترجم فقط في التنافس التمثيلي للساحة المسيحية، بل تخطّت بسلبياتها حدود البيت الواحد، حيث كان الخلاف ينشب بين أفراد العائلة الواحدة، وذلك على خلفية ما تركه الخلاف العمودي بين هذين الحزبين من تفاعلات سيئة على أداء القواعد الأفقية لكل منهما بدرجات متفاوتة.
وهذا الأمر المسيء إلى رمزية الوجود المسيحي في المنطقة، ويقول البعض إنه آيل إلى الذوبان، دفع الكثيرين من المسيحيين إلى الهجرة القاسية، التي تتزايد بفعل عوامل كثيرة، ومن بينها بالطبع الخلاف المسيحي – المسيحي، الذي يرى فيه بعض العقلاء من الطرفين تدميرًا لنضال عمره مئات السنين، حيث صمد الأجداد في الجبال الوعرة وقاوموا المحتلين ولم يساوموا على قدسية الحرية، التي تمسكوا بها حتى الرمق الأخير، وقد سفكت دماء كثيرة من أجل الحفاظ على هذه الفرادة في عيش قيم لم تكن تعني الكثير لبعض، الذين راودتهم فكرة اخضاع الجبل اللبناني لسلطتهم.
ولأن الشيء بالشيء يُذكر فإن ما قاله لي صديق جاء من لبنان مؤخرًا في زيارة عمل لمونتريال ترك في نفسي ألمًا وحزنًا كبيرين. اصطحبته يوم السبت الفائت لتفقد فاعليات المهرجان اللبناني بنسخته الـ 22، حيث امتلأت ساحات المهرجان بأعداد لا تُحصى من المغتربين، فكانت أول ردّة فعل له أن قال لي بالحرف الواحد: “شيء يفرح، ولكنه في الوقت ذاته يؤلم ويدعو إلى الحزن”.
ولأنه رأى في عيني علامات التعجب والاستفهام، قال لي: “أن أرى كل هؤلاء الناس مجتمعين يدًا بيد، ويقيمون حلقات الدبكة على وقع الأغاني اللبنانية الفولكلورية، أمر يدعو إلى الفرح، ولكن هذا الفرح لا يخلو من الحزن، وذلك لرؤية هذا العدد الهائل من اللبنانيين خارج وطنهم في الوقت الذي “يستقتل” كثيرون ليقيموا حيث لم يعد لأصحاب الدار مرقد عنزة. وعلى رغم كل ما يتهدّد بلاد الأرز من خطر وجودي لا نزال نرى من يُفترض بهم أن يكونوا موحدّين في التوجّه والرؤية مشرذمين ومشتتين ومختلفين ومنقسمين”.
هذا الكلام الواقعي والقاسي في آن قد لا يعجب الكثيرين، ولكنه كلام يجب أن يُقال. وهذا لا يعني أن يكون “القواتيون” والعونيون” واحدًا كما هي الحال مع “الثنائي الشيعي”، ولكن على الأقل ألا يكون خلافهم سببًا يُضاف إلى أسباب أخرى كثيرة تدعو مسيحيي لبنان إلى اليأس والقنوط والشعور بالإحباط، ومن ثم إلى الهجرة.
المصدر: “لبنان 24”