هل تبقى الحرب “ممنوعة”؟
كتبت صحيفة “النهار”:
مع أن السبب المباشر لما يمكن وصفه بأنه الاشتعال الأشدّ حدة وخطورة واتساعاً للمواجهات الميدانية على الجبهة اللبنانية منذ الثامن من تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، كان تسديد إسرائيل ضربة قاسية للغاية إلى “حزب الله” باغتيالها أحد أكبر قادته الميدانيين مع مجموعة عناصر، فإن المجريات الحربية لليوم الحار المشتعل البارحة رسمت دلالات تتجاوز سبب انفجار “البروفة” الأقرب الى تفجير حرب واسعة وشاملة بين إسرائيل و”الحزب”.
اذ إن الوقائع التي واكبت هذا الاحتدام الواسع بيّنت أن إسرائيل لا تتوانى اطلاقاً عن الإقدام على أية عملية تتجاوز قواعد الاشتباك، خلافاً لكل ما يتردد على نطاق واسع من أنها لا تزال تتجنب التسبّب باشعال حرب على الجبهة اللبنانية.
بل إن اغتيال القائد الميداني الأكبر لدى “حزب الله” مع العناصر الثلاثة في نهاية اليوم نفسه الذي كانت اغتالت فيه أيضاً على أقصى الحدود الشرقية ستة عناصر للحزب، ثلاثة منهم لبنانيون، يكشف أن ثمة قراراً بتصعيد الوتيرة الاستنفزازية لـ”حزب الله”، سواءً بهدف استدراجه إلى استعمال المزيد من ترسانة صواريخه ومسيّراته لكشفها أو لهدف مضمر لم تعد إسرائيل بعيدة معه عن مغامرة كبيرة في لبنان.
وتبعاً لذلك بدا من البديهي أن ترصد بدقة ردة فعل “حزب الله” أمس، غداة الضربة الموجعة التي تلقاها، وبدا الرد بمثابة مزيج من تصعيد غير تقليدي لجهة كثافة النار الصاروخية التي ألهبت شمال إسرائيل ونوعية بعض الأهداف من مثل مصنع للصناعات الحربية وتوسيع بقعة الاستهداف، ولكن الرد لم يبلغ حدود اسقاط آخر سقوف قواعد الاشتباك بما يصعب بعده الرجوع إلى واقع المواجهات من دون الانزلاق الى حرب شاملة. ومع ذلك يمكن القول إن مواجهات البارحة رسمت الخط البياني الأكثر خطورة لجهة بلوغ التعبئة المتبادلة في العمليات وحدّتها ذروة قياسية أقله منذ تحركت هذه الجبهة قبل أكثر من ثمانية أشهر.
تزامن هذا الاشتعال مع بلوغ التحرك الديبلوماسي الأميركي ذروته في المنطقة سعياً إلى وقف حرب غزة، وذلك من خلال الجولة الثامنة لوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في الشرق الأوسط منذ اندلاع حرب غزة. وفي المؤتمر الصحافي الذي عقده أمس في الدوحة تطرّق بلينكن إلى الوضع في جنوب لبنان، فقال: “الاتفاق حول غزة سيكون تأثيره هائلاً في خفض التوتر بين إسرائيل و لبنان، ونحاول منع التصعيد في جنوب لبنان ولا أحد يرغب في حرب جديدة هناك، إذ إن 60 ألف إسرائيلي لا يستطيعون العودة إلى منازلهم بسبب صواريخ حزب الله”.
الاحتدام الكبير
وكانت اسرائيل إغتالت ليل الثلاثاء الماضي القائد الميداني طالب سامي عبدالله الذي وُصف بأنه أكبر مسؤول ميداني في “حزب الله” يتم اغتياله منذ بداية الحرب، مع ثلاثة عناصر آخرين، من الوحدة العسكرية المسؤولة عن نشاط الحزب في المنطقة الشرقية من بنت جبيل وحتى منطقة مزارع شبعا، وذلك في بلدة جويا قضاء صور. واعلن الجيش الإسرائيلي أن “القيادي في “حزب الله” طالب عبدالله قام بالتخطيط وتنفيذ العديد من الأعمال ضدّ مواطني دولة إسرائيل”.
وجاء الرد الكثيف للحزب على الاغتيال بمجموعة عمليات قصف تجاوز عددها الـ15 عملية وطاولت من أبرز أهدافها كما ورد في سلسلة بيانات الحزب: استهداف مصنع ”بلاسان” للصناعات العسكرية المتخصصة في تدريع وحماية الآليات والمركبات لصالح الجيش الإسرائيلي في مستوطنة سعسع بالصواريخ الموجهة، قصف مقر قيادة الفيلق الشمالي في قاعدة عين زيتيم بعشرات صواريخ الكاتيوشا، استهداف التجهيزات التجسسية في موقع رويسات العلم في تلال كفرشوبا، قصف المقر الاحتياطي للفيلق الشمالي في قاعدة تمركز إحتياط فرقة الجليل ومخازنها في عميعاد بعشرات صواريخ الكاتيوشا، قصف مقر وحدة المراقبة الجوية وإدارة العمليات الجوية على الاتجاه الشمالي في قاعدة ميرون بعشرات صواريخ الكاتيوشا وقذائف المدفعية”.
وفيما أفادت إذاعة الجيش الإسرائيلي أن نحو 215 صاروخاً وقذيفة أطلقها “حزب الله” منذ صباح أمس في اتجاه شمال إسرائيل، شنّ الطيران الإسرائيلي غارات متعاقبة على أطراف عدد من القرى والبلدات في القطاع الغربي من قضاء صور، فيما إستهدف قصف مدفعي وفوسفوري شرق بلدة العديسة.
وأغار الطيران الحربي على المنطقة بين دير سريان والطيبة. كما أغارت مسيّرة على أطراف بلدة مركبا- خلة مكنة. وأفيد عن إصابة مسعف من “الهيئة الصحية الإسلامية” ونجاة فريق من “كشافة الرسالة الإسلامية” خلال قصف ساحة مركبا. ومساء أطلق الحزب دفعة جديدة من الصواريخ على مواقع عسكرية إسرائيلية في الجليل الغربي.
وتوعّد رئيس المجلس التنفيذي في “حزب الله “السيد هاشم صفي الدين في كلمة خلال تشييع القيادي في “حزب الله” طالب سامي عبدالله في الضاحية الجنوبية، الجيش الإسرائيلي بمزيد من “البكاء والعويل”، وقال إنّه “إذا كانت رسالة الجيش الإسرائيلي من شهادة أبو طالب النيل من عزيمتنا في إسناد غزة، فإنّ جوابنا القطعي والحتمي بعد هذه الدماء الزكية أننا سنزيد من عملياتنا شدّة وبأساً وكماً ونوعا”.
وأضاف: سيرى هذا الجيش الإسرائيلي من هم أبناء المقاومة الإسلامية في لبنان”. وذكر أنّه “إذا كان الجيش الإسرائيلي يصرخ ويئنّ مما أصابه في شمال فلسطين فليجهز نفسه للبكاء والعويل”.
واستدعى التصعيد الميداني الواسع تحركاً حكومياً، إذ عقد رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي سلسلة اجتماعات ديبلوماسية في السرايا تناولت الجهود المبذولة لوقف التصعيد. وفي هذا الاطار، عقد اجتماعاً موسعاً مع سفراء دول الاتحاد الأوروبي خُصص للتشاور في المستجدات الأمنية في الجنوب وانعكاس الحرب في غزة على الاستقرار في لبنان، وجرى التطرق الى موضوع الإصلاحات الاقتصادية والإدارية في لبنان. وأفيد أن السفراء أبدوا استعدادهم لمساعدة لبنان في هذا الاطار، كذلك تم البحث في ملف النازحين السوريين وانعكاساته على الوضع اللبناني برمته.
التحركات السياسية
في المشهد السياسي الداخلي تواصلت التحركات المتصلة بالأزمة الرئاسية، وفي إطار حركته الاخيرة زار رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل، رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي تيمور جنبلاط، ثم زار “كتلة الإعتدال الوطني”. والتقى مساءً وفداً من النواب التغييريين. ويختم باسيل تحركه بمؤتمر صحافي يعقده الخامسة عصر اليوم في مقر “التيار” في ميرنا الشالوحي للحديث عن نتائج هذا التحرك.
وفي إطار المواقف من هذه التحركات وتردداتها كتب رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع على حسابه عبر منصة “إكس”: “دولة الرئيس بري: نحنا مبسوطين فيك إنك ما بتخفش من التهديدات، وعلى هذا الأساس بما إنك ما بتخفش من التهديدات، وما بتخفش من شي، فيك تدعي لجلسة انتخابات رئاسية جدية بدورات متتالية تا ننتخب رئيس للجمهورية تنفرج مع انتخابه قلوب اللبنانيين ولو من هالناحية”.
بدوره، كتب النائب سامي الجميّل على منصّة “أكس”: “لا يبدو أن “حزب الله” مستعد، رغم كل المبادرات الناشطة، لانتخاب رئيس طالما هو في خضم حرب مع إسرائيل؛ لأن وجود رئيس في قصر بعبدا يربكه، خصوصاً أنه سيكون على الرئيس عندها تولي التفاوض بما يحفظ مصلحة لبنان. أما اليوم، فالحزب يخوض معركة إيران في الجنوب ويستعد للتفاوض بما يحقق مصلحتها”.