محليات

إستهداف مصنع “التدريع” ليس هدفاً عشوائياً… فما أهميّته؟

ابراهيم ناصرالدين – الديار

اذا كان حزب الله كعادته شفافا بالاقرار بالخسارة النوعية لقياداته، التي تستشهد في الحرب الشرسة والنوعية التي يخوضها منذ الثامن من تشرين الاول الماضي، وآخرها ما حصل في جويا امس الاول بعد اغتيال المسؤول الاعلى في “وحدة النصر” طالب سامي عبدالله “الحاج أبو طالب” ورفاقه الثلاثة، الا انه يثبت في كل مرة ان خروج هؤلاء القادة في ساحة القتال لا يترك ابدا فراغا قياديا او عملانيا على الارض، بل يكون الترفع تلقائيا لقادة متمرّسين في العمل الجهادي لسنوات طويلة، ولديهم الخبرات التنظيمية والقتالية التي تؤهلهم ملء المركز الشاغر بسلاسة تنظيمية مشابهة لكبريات الجيوش في العالم.

وهذا ما حصل تلقائيا بعد وقت قصير من عملية الاغتيال، وترجم عمليا على الارض بموجة ردود متناسبة مع الحدث لن تتوقف الا “بجبي الثمن” الرادع، ضمن خطط عملانية مرسومة سلفا، وفيها عدد كبير من الاهداف الاستراتيجية الامنية والعسكرية “الاسرائيلية”، لا المدنية، وكان اهمها بالامس ضرب مصنع تصنيع عسكري مهم للغاية في “سعسع”، وذلك في سياق ادارة ذكية للمواجهة تهدف الى ايلام العدو وردعه، دون الاندفاع لحرب شاملة لا يريدها حزب الله، لكنه جاهز على خوضها اذا فرضت عليه، وذلك باقرار كبار القيادات “الاسرائيلية” واعلامه، الذي يتحدث يوميا عن مفاجآت لا تنتهي في الجبهة الشمالية.

وبالامس، انطلقت التحقيقات لمعرفة طبيعة الخرق الامني الذي ادى الى نجاح عملية الاغتيال، لكن وقبل ان تقام مراسم التشييع الرسمية في الضاحية الجنوبية لبيروت، وقبل ان يوارى الثرى في بلدته، كان طيف من قاد معركة بنت جبيل الشهيرة في حرب تموز 2006 يقض مضاجع مستوطنات شمال فلسطين المحتلة، في رد اولي لن ينتهي عند هذا الحد، وفق توقعات “الاسرائيليين” انفسهم، حيث لفتت صحيفة “معاريف” الى ان كبار المسؤولين الذين وافقوا على اغتياله، كانوا يعرفون أنه سيؤدي إلى إطلاق مئات الصواريخ ومحاولات الهجوم بمسيرات وغيرها من التهديدات. لكن نوعية الاهداف لم تكن متوقعة، وهي برأي مصادر مقربة من حزب الله تهدف لافهام العدو انه لن يتمكن من “ردع” المقاومة مهما بلغت التضحيات.

ومن هذه المواقع، كان اهمها امس مصنع “بلاسان” لتصنيع الدروع “الإسرائيلية” في مستوطنة “سعسع”، وهو الاهم في “إسرائيل” وعلى مستوى العالم، في مجال حماية وتدريع المركبات. ويشكل استهداف حزب الله لهذا المصنع ضربةً نوعية في إطار المعركة القائمة، لما يُمثّله من أهمية بالنسبة إلى الاحتلال، وبالتحديد في الوقت الحالي. فبعد أكثر من 8 أشهر على الحرب، وتلقي جيش العدو ضربات متواصلة في قطاع غزة وعلى الجبهة الشمالية، باتت آلياته وقدراته العسكرية مستنزفة إلى حد كبير، ويحتاج إلى تصنيع أو تجديد أو صيانة آلياته ومعدّاته في خضم المعارك المستمرة، فيما يمارس “الجيش” سياسة اقتصاد التسليح. وبحسب تقرير لموقع “تايمز أوف إسرائيل” نُشر مطلع العام الحالي، فإنّ مصنع “بلاسان” يعمل بجهد أكبر من أي وقت مضى، ويُكثّف من إنتاج صفائح الدروع الواقية للبدن، التي تشتد الحاجة إليها في أعقاب اندلاع معركة طوفان الأقصى.

تجدر الاشارة، الى ان الشركة تعمل مباشرةً مع الشركات المصنعة للمركبات المدرعة وغيرها داخل “إسرائيل” وخارجها، إلى جانب تصنيعها الدروع الواقية للبدن، ومجموعات دروع المركبات لجيش الاحتلال الإسرائيلي. ويملك المصنع 3 وحدات أعمال، وهي الحماية والبقاء والمركبات، ووحدة جديدة نسبياً تتعامل مع الروبوتات المناورة. وتوظف شركة “بلاسان” نحو 400 عامل في مصنعها الرئيسي في “سعسع”، ولديها شركة فرعية في الولايات المتحدة (بلاسان أميركا الشمالية)، كما تمتلك شركات صغيرة أخرى في فرنسا واليونان.

لكن ما الذي تخشاه “اسرائيل” ايضا؟ الجواب ورد بالامس عبر المحلل العسكري “الإسرائيلي” يوآف زيتون، الذي نقل في صحيفة “يديعوت أحرونوت” عن مسؤولين كبار في الجيش “الاسرائيلي” تأكيدهم ان حزب الله سيحاول ضرب تشكيل الدفاع الجوي، بغية فتح الباب أمام موجات من الهجمات في عمق “إسرائيل”، في حال تطوّرت الحرب في الشمال. وقد اقرت تلك المصادر، بان القدرات التي يُظهرها حزب الله، والتي تفاقمت في الأسابيع الأخيرة، لا تزال تُشكّل نسبة صغيرة من الترسانة الجوية التي يمتلكها. ولفت الكاتب الى ان الجيش “الاسرائيلي” يدرك جيدا أنّ فتح معركة مع حزب الله، سيؤدي إلى تدمير أماكن وإصابة مواقع استراتيجية بأرجحية عالية جداً، لانه لم يستخدم خلال الأشهر الثمانية الأخيرة مئات صواريخه الدقيقة، وكل واحد منها يمكن أن يحمل حتى زنة طنّ من المواد المتفجّرة.

اما الخشية الكبرى لدى جيش الاحتلال، فهي بحسب “يديعوت”، قيام حزب الله باطلاق اسراب من عشرات الطائرات المُسيّرة والمتفجّرة بالتوازي، حيث يكتفي اليوم بإطلاق اثنتين أو ثلاث في كل مرّة وتصل الى اهدافها، والخطر الاكبر اطلاق صلية مركّزة تضم مئات الصواريخ الدقيقة معاً في اتجاه مواقع الدفاع الجوي، كبوّابة تفتح له الطريق لتنفيذ هجمات على مواقع حساسة واستراتيجية.

بدورها اقرت صحيفة “معاريف” بان استمرارية إشغال قوات الدفاع الجوي منذ الـ 7 من تشرين الأول أدّى إلى ظاهرتين مقلقتين:

  • الأولى، وفق المسؤولين “الإسرائيليين” في الجيش، حصول تحذيرات خاطئة كثيرة، لا سيما حيال الطائرات المسُيّرة المتفجّرة، إذ يصعب التكهّن بمسار تحليقها خلافاً للصاروخ.
  • الثانية : ايقاف التدريبات للقوات بسبب الحاجة الدائمة إليها في البطاريات وغرف العمليات. وبات مسلما به لدى القيادة العسكرية “الاسرائيلية”، بان جزءاً من عمليات إطلاق المسيّرات خُصّصت من قبل حزب الله لدراسة الثغرات في القبة الحديدية وتجاوزها، لاستهداف منشآت “إسرائيلية” عند تكثيف القتال.

هذه الخلاصات “الاسرائيلية” لا تزال قاصرة عن فهم حقيقة ما يملكه حزب الله من اسلحة نوعية، لكن الاشهر الثمانية الماضية اظهرت قدرات غير متوقعة، وهي جزء من المفاجآت التي وعد بها الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله، ولهذا تقول المصادر المقربة من الحزب، ان ما “خفي اعظم”، وعلى الرغم من الخسارة الفادحة، فان ما قبل اغتيال الشهيد “ابوطالب” هي كما قبله على مستوى الجهوزية الميدانية التي تبقى في اعلى مستوياتها، واستشهاده جزء من الثمن الذي تتطلبه المواجهة، لكن من خلفه في القيادة لن يكون اقل شأنا وبأسا، والميدان سيكون شاهدا على ذلك، وقد تندم “اسرائيل” على اغتياله؟!.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى