بين الخماسية وChatGPT
ضمن إطار “الصيانة” الدورية للدور الفرنسي وعمل اللجنة الخماسية حطّ الموفد الفرنسي جان إيف لودريان لـ 48 ساعة في لبنان. الزيارة الخامسة التي أخّرتها تطوّرات حرب غزة وسقوط الهدنة وتوسّع رقع التصعيد جنوباً لم تتحسّن ظروف نجاحها بعد ستّة أشهر من المحطّة الأخيرة للودريان في بيروت في تشرين الثاني الماضي.
ChatGPT يتدخّل
مهما كان فحوى لقاءات الموفد الفرنسي مع الكتل النيابية والنواب المستقلّين فإنّ التصلّب الداخلي في المواقف وعدم فرض حسابات ما بعد غزة والحوار الأميركي-الإيراني لم يظهر وقعهما بعد على طاولة التسويات يجعل من أيّ مبادرة دولية مهما كان ثقلها أو منبعها كدواء مسكّن بانتظار العملية الكبرى التي لم يحِن توقيتها بعد.
كبرى المفارقات أنّ الجمود الرئاسي الذي يبدو من دون أفق حتى الساعة دفع إحدى الشخصيات الدبلوماسية الممثّلة لدولة مؤثّرة في الملفّ اللبناني إلى الاستعانة بالذكاء الاصطناعي من خلال روبوت الدردشة ChatGPT لاستكشاف مكمن الأزمة في لبنان ومواصفات الرئيس المقبل.
النتيجة كانت “مذهلة” بتوصيف هذه الشخصية. إذ بناءً على أسئلة محدّدة وهادفة طلبت من “شات جي بي تي” قراءة كلّ المقالات عن لبنان بسبع لغات أساسية هي العربية والإنكليزية والفرنسية والإيطالية والفارسية والتركية والروسية من أجل معرفة مكمن الأزمة الحقيقية في لبنان، فأتى الجواب بكلمتين absence of confidence.
بناءً على سؤال آخر توسّع ChatGPT بالإيجابات ليتحدّث عن “غياب ثقة المجتمع الدولي بلبنان وغياب الثقة بين مكوّناته والفساد كأحد أهمّ مسبّبات الأزمة”. أمّا لناحية المواصفات المطلوبة للرئيس المقبل فكانت الإجابات معبّرة أيضاً: يحمل رؤية ماليّة واقتصادية، محايد وغير تابع لأيّ طرف سياسي يأتمر بأجندته، ولديه حدّ أدنى من التعاطي مع مفاتيح دولية.
بدا الأمر وكأنّ الذكاء الاصطناعي يُترجِم ما في ذهن دول القرار في اللجنة الخماسية. هنا يكمن لبّ الموضوع. فبحسب تأكيدات مصدر موثوق لـ “أساس” “لم تسعَ أيّ من دول الخماسية، منذ أن كانت ثنائية ثمّ توسّعت، إلى فرض أيّ اسم لرئاسة الجمهورية على القوى اللبنانية على الرغم من عجقة الموفدين والإيحاءات المعاكسة، فيما الربط الأساس يكمن في قدرة الرئيس المقبل على مواكبة تنفيذ الإجراءات الإصلاحية المطلوبة وفهم تفاصيلها كمدخل بديهي لحلّ الأزمة وبأن لا يكون مصدر شرخ بين اللبنانيين”.
رئيس بمواصفات كهذه، كما يقول مصدر معنيّ بملفّ لبنان، يجدر أن لا “يُنقّز” الحزب من خلال حمله أجندة إصلاحية-اقتصادية وليس أجندة سياسية، ويفترض أن يعمل على تكوين توافق لبناني عليها بالتعاون مع الحكومة، “ولا مكان فيها للطعن بالظهر”.
لا أحد يُسهّل انتخاب رئيس
هكذا حطّ لودريان في لبنان بموجب تكليف من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لإعداد تقرير سيطرحه الأخير خلال اجتماعه مع الرئيس الأميركي جو بايدن في حزيران المقبل، وهو يتضمّن بشكل أساس نقاط التقاطع (أو المعايير الرئاسية المرجّحة) التي تلاقت عليها القوى السياسية مع التسليم بمعادلة “أفحَمَت” كلّ الوسطاء الدوليين: الكلّ يريد رئيساً ولا أحد يسهّل انتخابه!
يقول مصدر مطّلع إنّ “لقاء القمّة الفرنسي-الأميركي المقبل يختلف عن بيان القمّة بين الرئيسين عام 2022 الذي تحدّث عن التصميم على مواصلة الجهود المشتركة لحضّ قادة لبنان على انتخاب رئيس للجمهورية. مع العلم أنّ اجتماع ماكرون وبايدن العام الماضي تركّز على زيارة الرئيس الفرنسي للصين ولم يحضر لبنان كبند ملحّ”.
أمّا راهناً فسيُخصِّص لقاء الرئيسين فقرة كاملة عن لبنان، بالتزامن مع نبش أكثر من سفير معنيّ في الخماسية أخيراً البيان الصادر عن الاجتماع الثاني للخماسية في الدوحة في تموز 2023 من خلال إعادة تسليط الضوء عليه، خصوصاً لجهة “ضرورة التزام أعضاء البرلمان بمسؤوليّاتهم الدستورية في ضوء مناقشة البلدان خيارات محدّدة في ما يتعلّق باتّخاذ إجراءات ضدّ أولئك الذين يعرقلون إحراز تقدّم في هذا المجال وتنفيذ إصلاحات اقتصادية ضرورية”. لا أحد من سفراء اللجنة الخماسية يتحدّث عن عقوبات وشيكة على المعطّلين بل “التفاؤل لا يزال موجوداً، لكنّ العبرة بأنّه لا يمكن الوقوف من دون ردّة فعل حيال بقاء الأزمة حيث كانت منذ نحو سنة ونصف. كلّ ما نقوم به هو من أجل الحثّ تجنّباً للقطع”.
لجهة المواصفات تحدّث إعلان الدوحة عن رئيس “يُجسّد النزاهة ويوحّد الأمّة ويضع مصالح البلاد في المقام الأوّل، ويعطي الأولوية لرفاه مواطنيه ويشكّل ائتلافاً واسعاً وشاملاً لتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية الأساسية، لا سيما تلك التي يوصي بها صندوق النقد الدولي”.
كان البيان مصدر ترحيب ضمن البيان الختامي للقمّة الخليجية الـ 44 التي انعقدت في قطر في كانون الأول 2023 الذي تضمّن عبارة لافتة لجهة “أهمّية بسط سيطرة الحكومة اللبنانية على جميع الأراضي اللبنانية، بما في ذلك تنفيذ أحكام قرارات مجلس الأمن ذات الصلة واتفاق الطائف، من أجل أن تمارس سيادتها الكاملة، فلا تكون هناك أسلحة إلا بموافقة الحكومة اللبنانية”.
المصدر: أساس ميديا – ملاك عقيل