رئيس من دون صوت شيعيّ واحد؟!
يتحرّك أعضاء اللجنة الخماسية “بالمفرّق” باتّجاه القوى السياسية في الأيام المقبلة لشرح مضامين بيان عوكر وخارطة طريقه، وذلك في محاولة لإزالة الألغام أمام انعقاد الجلسة الرئاسية التي ستكون الأولى بعد جلسة 14 حزيران من العام الماضي. فهل من “مهلة سماح” أخيرة منحتها الخماسية للبنان لانتخاب رئيس؟
لم تأتِ من عَدم تأكيدات رئيس مجلس النواب نبيه بري بتبنّي “الخماسية” لموقفه بالدعوة إلى الحوار أو التشاور وعقد جلسات انتخابية متتالية، إذ إنّ بيان عوكر الصادر بعد اجتماع سفراء الخماسية كان واضحاً بالإشارة إلى أنّ “المشاورات المحدودة المدّة والنطاق يجب أن تهدف فقط إلى تحديد مرشّح متّفق عليه على نطاق واسع أو قائمة قصيرة من المرشّحين للرئاسة، وفور اختتام هذه المشاورات، يذهب النواب إلى جلسة انتخابية مفتوحة في البرلمان، مع جولات متعدّدة حتى انتخاب الرئيس”.
كلمة جولات، وفق مصادر عين التينة، تتطابق مع اقتراح برّي الدعوة إلى جلسة بدورات مفتوحة، وإذا لم ينتخب الرئيس تتمّ الدعوة إلى جلسة ثانية بدورات مفتوحة أيضاً، أي جولة أخرى وربّما جولات. أمّا الدعوة إلى التوافق على مرشّح أو أكثر فهو مطلب الرئيس بري أساساً.
كان اللافت في بيان الخماسية عدم تبنّي مهلة نهاية شهر أيار لانتخاب رئيس الجمهورية بشكل مباشر، بل الإفصاح عن “استعداد بعض الكتل السياسية لإنجاز ذلك بحلول نهاية أيار”.
بين “السّيّد” والخماسيّة
أتى ذلك، وفق أوساط مطّلعة على حراك الخماسية، بغية الابتعاد عن لغة الفرض الدولي وإبراز رغبة بعض الكتل بانتخاب الرئيس بأسرع وقت. وهو الأمر الذي سَمِعه، وفق المعلومات، سفراء الخماسية بوضوح من الكتل المسيحية ونواب المعارضة، مع اعتراض المعارضة عموماً على دعوة بري إلى الحوار ورئاسته لجلساتها حتى لو محدودة لأنّه طرف في حلبة النزاع الرئاسي، إضافة إلى الاعتراض على مبدأ “الجلسات المفتوحة”.
تسلّم الأوساط بأنّ “بيان عوكر لن يُحدِث فرقاً في مسار البحث عن رئيس”، إلا أنّها تتوقّف عند نقطة ملتبسة سبق أن أثارها الأمين العامّ للحزب السيّد حسن نصرالله، إذ إنّ “بيان الخماسية الأخير ربط انتخاب رئيس الجمهورية بإبرام اتفاق دبلوماسي مستقبلي في شأن حدود لبنان الجنوبية، وهو الأمر الذي كرّره البطريرك بشارة الراعي أمس بحديثه عن “الرئيس المُفاوض”. هنا سبق لنصرالله أن قال إنّه لا دور للرئيس إطلاقاً في ملفّ تثبيت النقاط البرّيّة الحدودية التي لا تحتاج إلى ترسيم، وبالتالي ليس من حاجة لتوقيع رئيس الجمهورية المقبل على أيّ اتفاق في شأن الحدود اللبنانية-الإسرائيلية أو حتى لإشرافه على عملية التثبيت”.
هكذا، وبعد انتهاء سفراء اللجنة الخماسية الفرنسي هيرفيه مارغ، الأميركية ليزا جونسون، السعودي وليد البخاري، المصري علاء موسى، والقطري عبد الرحمن بن سعود آل ثاني من جولاتهم الجماعية على الكتل السياسية، سيَلتزم هؤلاء بأجندة لقاءات متفرّقة مع مرجعيات سياسية تهدف بشكل أساس إلى دفع الأخصام إلى طاولة حوار أو تشاور، وقد دُشّنت بلقاء السفير الفرنسي مع رئيس حزب القوات سمير جعجع المعارض الأول للقاء حواريّ بإدارة برّي ولجلسات بجولات مفتوحة.
رئيس من دون صوت شيعيّ واحد!
لكن مع ذلك يجزم مطّلعون أن لا مؤشّرات إقليمية أو دولية استدعت “تنشيط” ماكينة الخماسية بقدر محاولة إبقاء محرّكاتها شغّالة. هكذا ستسقط مهلة أيار تماماً كمهل كثيرة سبق لموفدين دوليين، بمن فيهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أن وضعوها مَشروطة بعقوبات على “المعطّلين”.
يبقى موقف الحزب هو الأكثر التباساً ربطاً بانخراطه الكلّي بجبهة الجنوب العسكرية، لكنّ اللعب على تناقضات الداخل لا تزال تشرّع للحزب “إعلان براءته” من تهمة التعطيل، إذ إنّ لسان حال مسؤولي الحزب يقول: “لا نربط الرئاسة بغزّة ولا بالجنوب، وسنشارك فوراً في أيّ جلسة حوار، ثمّ نتوجّه إلى القاعة العامّة لانتخاب رئيس. فالربط الوحيد المُعلن هو بين هدنة غزة والحديث عن اقتراحات متعلّقة بالوضع جنوب الليطاني، إذ يرفض الحزب بشكل قاطع النقاش في هذه المسألة قبل وقف إطلاق النار في غزة”.
في هذا السياق يقول القريبون من الحزب: “الرئاسة تحتاج إلى تفاهم داخلي غير موجود منذ ما قبل غزة. فليأتوا ويناقشونا بخيار سليمان فرنجية وسنحتكم للتصويت. لكن هل يمكن القبول برئيس لا يحظى بصوت شيعي واحد؟”.
التمديد 2 لقائد الجيش
بما أنّ صوت الحرب يتقدّم مطلب الهدنة من رفح إلى جنوب لبنان، وكبار الوسطاء الدوليين انكفأوا عن مهمّاتهم في رعاية التسويات، والحدود اللبنانية-الإسرائيلية تنساق أكثر صوب كسر قواعد اللعبة عبر التوغّل العسكري المتبادل بالقصف الصاروخي وبالمسيّرات وتعمّق الانقسام الداخلي، فإنّ مسار الحلّ يبدو أبعد من ذي قبل، ولذلك تداعيات داخلية ستظهر تباعاً.
من أهمّ هذه التداعيات استعادة الحديث عن فراغ محتمل مجدّداً في قيادة الجيش. إذ تؤكّد مصادر مطّلعة في هذا السياق أنّه في حال انقضاء شهر حزيران، وبأقصى حدّ شهر آب، من دون انتخاب رئيس للجمهورية، فإنّ الضغوط ستبدأ مجدّداً للسير بخيار تمديد ثانٍ لقائد الجيش حتى في ظلّ وجود رئيس أركان.
صحيح أنّ وزير الدفاع موريس سليم قدّم طعناً أمام مجلس الشورى في 16 نيسان الماضي بتجاوز مجلس الوزراء لصلاحيّته كوزير بتعيين رئيس للأركان من دون اقتراحه ولا توقيعه، فإنّ ذلك لن يؤثّر، وفق مطّلعين، حتى في حال رفض الطعن وبقاء اللواء حسان عودة في موقعه، على القرار المتّخذ سلفاً من قبل أولياء التمديد الأوّل دوليّاً بتجديد التمديد للعماد جوزف عون في حال استمرار الفراع الرئاسي.
لكن هنا يطرح متابعون تساؤلات حول موقف الثنائي الشيعي، خصوصاً الحزب، وعمّا إذا كان سيغطّي مجدّداً التمديد لقائد الجيش لأنّ ذلك ستكون له دلالاته سياسياً ورئاسياً.
ملاك عقيل – اساس ميديا