محليات

“رسالة” غير مباشرة من واشنطن الى حزب الله…

بعدما بلغت لعبة “عض الاصابع” ذروتها في الساعات الماضية، عقب اعلان حركة حماس موافقتها على الخطة المصرية – القطرية – الاميركية لوقف النار في غزة، واثر مبادرة رئيس حكومة العدو بنيامين نتانياهو المربك لتنفيذ “مناورة” بالنار في رفح، باحتلال قواته الاستعراضي المنفذ البري الوحيد بين القطاع ومصر، انشغلت الدوائر الديبلوماسية الغربية في بيروت بمحاولة فك “شيفرة” حزب الله وكيفية تعامله مع المرحلة المقبلة، ليس في حال صدق الاميركيون في وعودهم باجبار حكومة الحرب في كيان الاحتلال على الالتزام بالخطة التي رسم خطوطها العريضة وتفاصيلها مدير الاستخبارات الاميركية “سي اي ايه” وليام بيرنز، وانما في حالة الاخفاق بالوصول الى وقف مستدام للنار في غزة؟

هذه التساؤلات، نقلت على عجل الى جهات رسمية لبنانية عبر السفارة الاميركية في بيروت، وكذلك السفارة الفرنسية، ووفقا لمصادر مطلعة فان القاسم المشترك بين المراسلتين الديبلوماسيتين، معرفة الخطوة المقبلة لحزب الله في اطار جبهة الشمال اذا ذهبت “اسرائيل” بعيدا في عملية رفح، وكانت اللغة الاميركية المستخدمة تحذيرية من مغبة عدم السيطرة على رد الفعل “الاسرائيلي”، اذا اندفع حزب الله في رد فعله لمستوى اكثر خطورة. فيما ابدى الفرنسيون الكثير من المخاوف من خروج الامور عن السيطرة. علما ان الجانب الاميركي المح في مراسلاته الى ان المعلومات المقبلة من واشنطن، تشير الى ان ما يحصل في رفح عملية محدودة في الزمان والمكان. وفهم من هذه الاشارة بانها رسالة ضمنية غير مباشرة لحزب الله لعدم حصول فهم خاطىء للتطورات، التي برأي الاميركيين لا يزال بالامكان السيطرة عليها، والتوصل الى تفاهمات على وقف النار، ولهذا لا داعي برأيهم لتصعيد في الجنوب يزيد الامور تعقيدا؟!

ومصدر القلق الاميركي ميداني، وليس مجرد مخاوف مبنية على تكهنات، خصوصا ان المقاومة واكبت خلال الايام القليلة الماضية المفاوضات في القاهرة، باعتماد تكتيك عسكري مختلف تماما عن الاشهر السبعة المنصرمة، حيث ارتفع نسق استخدام المسيرات الهجومية على نحو غير مسبوق، مقابل اخفاق “مرعب” للقبة الحديدية في منع الاختراقات، ما اضطر جيش الاحتلال الى المغامرة بملاحقة المسيرات عبر طائرات حربية من نوع “اف 16” اضطرت الى التحليق على علو منخفض لمحاولة اسقاط المسيرات. ولم تكن المشكلة فقط في فشل المهمة، وانما في ادراك “الاسرائيليين” والاميركيين، نتيجة اجراءات عملانية قامت بها المقاومة، ان حزب الله كان قادرا على اسقاط الطائرات الحربية، لكنه تجنب ذلك عن سابق تصور وتصميم، رغبة منه في عدم الكشف عن كامل ترسانته، في اطار سياسة الغموض والمفاجآت التي يتركها للوقت المناسب اذا اندلعت الحرب الشاملة. وكانت الرسالة واضحة “نحن قادرون ولكن لا نريد الآن”!

والامر الذي لا يقل خطورة عما سبق، ان حزب الله تقصد من خلال الاهداف التي استهدفها بالمسيرات الانقضاضية ايصال “رسالة” مفادها، بأن قدرته عالية في مجال الاستخباراتي تقنيا وبشريا، و ظهر ذلك من خلال الأهداف النوعية التي هاجمها في مستوطنة المطلة والمنارة ومارغليوت وعرب العرامشة، ونجح خلال ساعات في فرض وقائع جديدة تجعله متحكما بقواعد الاشتباك، اذا ذهبت الامور نحو التصعيد. وفي هذا الاطار، استهدف بالامس فقط 11 مبنى سكنيا تتموضع فيه الاستخبارات العسكرية “الاسرائيلية” وجنود الاحتلال، وقبلها استهدف مبنيين يستخدمهما جنود العدو في شتولا، ومبنيين آخرَين في مستعمرة المطلة، ومبنًى تتموضع فيه قوة استخبارات للجمع الحربي في مستعمرة المنارة. لكن الاكثر خطورة كان في نجاح المقاومين باصابة القبة الحديدية جنوب ثكنة راموت نفتالي، ‏ما أدى إلى خروجها عن الخدمة.

وامام هذه التطورات، تشير الاوساط الديبلوماسية الى ان الاميركيين روّجوا في الساعات القليلة الماضية، لاجواء تفيد بان المبعوث الاميركي عاموس هوكشتاين يستعد للقيام بزيارة الى بيروت بمجرد الاعلان عن التفاهم المفترض في غزة، وطالبوا الجانب اللبناني تحضير اجوبته النهائية على العروض المقدمة من الجانب الاميركي، دون اي اشارة الى الورقة الفرنسية التي صاغت الحكومة بالتنسيق مع “الثنائي” ردها وملاحظاتها عليها. وتحدث الاميركيون عن رغبة بوقف ما اسموه اعمال العنف المتبادل والانتقال فورا الى خطوات عملية لانجاز وقف “مستدام” لاطلاق النار، يعيد بناء الثقة على جانبي الحدود ويسمح باعادة السكان الى بلداتهم، على ان تتم مناقشة البنود الاخرى واهمها الانتشار الاوسع للجيش اللبناني في المراحل التالية، خصوصا ان مسألة جهوزية الجيش تحتاج الى الوقت.

وعلم في هذا الاطار، ان حزب الله لا يمانع وقفا فوريا للنار عند التوصل الى وقف للنار في غزة، وهذا امر ثابت، وكل القضايا الاخرى ستكون موضع نقاش ضمن معادلة ما لم يستطع العدو فرضه عسكريا لن يأخذه ديبلوماسيا، وتطبيق الـ1701 لن يحصل فقط من جهة واحدة. وهناك ايضا ثلاث ثوابت: الجيش لن يكون شرطي حدود لحراسة “الكيان”، ولن يسمح “لليونيفيل” بان تتجاوز حدود مهامها العملانية الحالية، ولا تنازل ميداني يضعف جهوزية المقاومة لمواجهة ا ي محاولة “اسرائيلية” للاعتداء على الاراضي اللبنانية.

في الخلاصة، فشل الاميركيون في الحصول على اجوبة تريح “الاسرائيليين”، وحده الميدان يبقى “صندوق البريد” الذي تجيب به المقاومة على “الرسائل”، لاعتقادها ان لا “صوت يعلو على صوت المعركة” مع عدو لا يفهم الا لغة القوة، ما حصل خلال الساعات القليلة الماضية يشير بوضوح الى ان حزب الله تأقلم مع مسرح العمليات، ويرفع نسق المعركة بايقاع مدروس، سيواكب من خلاله اي تصعيد محتمل على جبهات القتال، وستكون قواعد القتال الجديدة، كاستراتيجة ردعية في مستقبل الصراع اذا وضعت هذه الجولة من الحرب اوزارها.

ابراهيم ناصرالدين – الديار

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى