جبهة الجنوب: هل ارتفع احتمال الحرب الكبرى؟
جاء في الراي الكويتية:
للمرة الأولى منذ أكثر من خمسة أشهر، بدأتْ الحربُ المحدودةُ بين إسرائيل و«حزب الله» تخرج عن ضوابطها بفعل إصرار جيش الاحتلال على توسيع بنك أهدافه، ليشمل أهدافاً لم تطاولها الحرب منذ بدايتها.
واستُتبع خروجُ تل أبيب عن قواعد الاشتباك وحدودِ الاحتواء بردِّ «حزب الله» خارج السياق المعهود وضرْبه مراكز عسكرية في هضبة الجولان المحتلّة، في تطوُّرٍ يحمل دلالاتٍ كثيرةً في إطار محاولةِ الحزب إجبار إسرائيل على العودة إلى القواعد المرسومة.
وبَدَل استهدافِ «حزب الله» نقاطاً في العمق الإسرائيلي، ضَرَبَ مراكز عسكرية أفقية على طول الحدود اللبنانية، لتصل إلى هضبة الجولان ليقدّم لإسرائيل فرصةً للعودة إلى المربع الأول المرسوم كساحةِ اشتباك.
فإلى أين تتجه الأمور بين الطرفين؟ وهل احتمال الحرب الكبرى ارتفع أكثر من السابق؟
في قصْفها لأهداف في جنوب لبنان والبقاع تُلقي تل أبيب يومياً نحو 4 إلى 5 أطنان من المتفجرات، وكذلك يحرص الحزب على رمي أهداف إسرائيلية بكمية المتفجرات نفسها في ضرْبه لأهداف عسكرية في غالبية الأحيان على طول الحدود اللبنانية الجنوبية التي تمتدّ لنحو 110 كيلومترات. وهذه جبهة طويلة جداً يعمل عليها الحزب ليؤكد استعداده على امتدادها ووجود قواته بجاهزيةٍ دائمةٍ لتَبادُل الضربات المحدّدة بصواريخ ليزرية (عندما تَستخدم إسرائيل الطائرات المسيَّرة) أو بصواريخ «بركان» ذات الـ250 – 500 كيلوغرام من المتفجرات، وبصواريخ «الكاتيوشا» التي تحمل 50 كيلوغراماً من المتفجرات، والتي أطلق منها دفعة واحدة، 100 صاروخ على مواقع للاحتلال في الجولان.
وعندما تستهدف إسرائيل العمقَ اللبناني أو تقتل مدنيين – ولو كان قَتْلاً غير متعمَّد – يردّ «حزب الله» باستخدام صواريخ ثقيلة أو صليات صاروخية أدخل معها قواعد جوية رئيسية للعدو وكذلك الجولان ضمن المعركة ومعادلاتها ليوجِد تَوازناً علّ إسرائيل تلتزم بقواعد الاشتباك وتعود إلى ضوابط الحرب المحدودة.
إضافة إلى ذلك، فإن المعلومات عن استعداد إسرائيل للحرب والتدرّب على معركة آتية مع «حزب الله»، قابَلَها استعدادٌ واستنفارٌ عام وشامل من الحزب على طول الجبهات خصوصاً في البقاع الغربي والجبهة السورية. إذ إن احتمالَ دخول تل أبيب من خلال الخاصرة السورية الرخوة للوصول إلى البقاع الغربي وارد دائماً في حسابات قادة الأركان في «حزب الله».
لذلك فإن ضرب هضبة الجولان له دلالات ويحمل رسائل بأن جبهة سورية لن تكون بمنأى عن الحرب إذا رغبت إسرائيل بتوسّعها وإن الحزب لا يقلّ استعداداً في تلك الجبهة عن استعداده في جنوب لبنان.
وتقول مصادر قيادية، إن «معركة غزة أصبحت ثانوية وتشغيلية لتصبح جبهة لبنان الأصلية. فمنذ خمسة أشهر ونيف يُزْعِجُ حزب الله، الجيش والقيادة في إسرائيل ويدفعهما لتجهيز 3 فرق ثابتة مدعّمة بوحدات خاصة مخضرمة قاتلتْ في غزة وأصبحت على الحدود اللبنانية. ولولا دخول حزب الله المعركة، لَوضعتْ إسرائيل كامل قوتها في غزة وأنهت المعركة في وقت أقصر. فتشتيتُ القوات تَرَكَ أثراً مريراً في نفوس القادة الإسرائيليين الذين لم يعودوا يطيقون الحرب التي فُرضت عليهم ويريدون إيجاد حل دائم للخطر على الجبهة الشمالية اللبنانية لإعادة أكثر من 100 ألف من المهجرين الإسرائيليين. وهذا من شأنه أن يُدَحْرِج الأمور إلى الأسوأ وإلى التبادل الصاروخي الأعنف وخصوصاً بعدما ارتفعت الأصوات داخل إسرائيل بضرورة بدء معركة كبرى مع لبنان».
وتؤكد المصادر أن التعايشَ مع فكرة الحرب الشاملة وإعدادِ العُدّة لها من خلال أخْذ العِبَر من الحرب الدائرة مع غزة ولبنان أصبح أمراً واقعاً. ولا ينكر القادة الميدانيون أن إسرائيل تملك قدرةً تدميريةً هائلةً بعدما دمرت آلاف عدة من المنازل وتَسَبَّبت بأضرار كبيرة بعشرات الآلاف الأخرى في جنوب لبنان. إلا أن لدى «حزب الله» قوة تدميرية ستشهدها إسرائيل من دون شك في مناطق لم تَعرف الدمار قبلاً إذا تخطت المسرح الحالي للاشتباك وضربت الداخل اللبناني.
وتَعتقد المصادر، أنه، حتى في الحرب الشاملة، يفترض أن يتم الاحتفاظ بضوابط مع تحييد المناطق السكنية لتبقى المعركة ضمن إطار استهداف مراكز عسكرية وقوات للطرفين منخرطة في الحرب. لكن في حال تدحرجت الأمور، فإن استهدافَ مرفأ سيقابله مرفأ، ومطار مقابل مطار، ومبنى سكني مقابل مبنى سكني.
وما يمنع الحرب لغاية اليوم هي الأسلحة التي يستخدمها «حزب الله» والتي «يشاهدها» الجيش ولا يعلم بتفاصيلها أمثال وزير الأمن المتشدد إيتمار بن غفير، الذي يطالب وزير الدفاع يوآف غالانت ببدء الحرب الشاملة على لبنان.
ويقول القادة الميدانيون في «محور المقاومة» إن الحرب الشاملة ستكون مدمّرة على لبنان، بلا شك، ولكنها ستكون مدمرة على إسرائيل بمئة مرة أكثر مما شهدتْه عام 2006، وان الجبهات المتعددة (العراق واليمن وسورية) لن تتردّد بالمشاركة، حتى ولو تدخلت أميركا التي يشارك ضباطها وجنودها ببضعة آلاف في حرب غزة.
أما بالنسبة للأهداف وإعادة الإعمار، فتقول المصادر إن «حرب يوليو 2006 كلفت أقلّ من ثلاثة مليارات دولار لإعادة البناء. تالياً فإن مبالغ أكبر بكثير من هذا المبلغ قد خصصت للدفع لإعادة إعمار البنية التحتية والمنازل والطرق والجسور المتضررة، إذا لزم الأمر ذلك».
ولكن أهداف إسرائيل، إذا ذهبت للحرب الشاملة، لن تكون واضحةً، إذ، مهما فعلت، فإن اجتياحها للبنان سيكون كارثة عليها ولن تستطيع البقاء ليوم واحد. وتالياً فإن إزاحة الحزب وأبناء الجنوب عن الحدود مستحيل. وهذا يعني أنه لن يكون لدى تل أبيب هدف تستطيع تحقيقه سوى الدمار.
إلا أن «حزب الله» ليس «حماس» (اغتالت إسرائيل أمس، القيادي في «كتائب القسام» هادي مصطفى، المسؤول عن الدعم اللوجستي بغارة استهدفت سيارته في صور)، وحدود لبنان مفتوحة لتسلُّم الدعم اللوجستي إذا لزم الأمر رغم الاكتفاء وإمكان الصناعة المحلية بتقنية عالية.
من هنا، فإن الدمار المتقابل سيُسْقِط رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي يترنّح على كرسيه لاشتداد الضغط الداخلي والخارجي عليه. ولذلك فإن هروبَه إلى الأمام بحربٍ على لبنان سيكون بمثابة المسمار الأخير في نعشه. هذا ما يقتضيه المنطق السياسي والعسكري، ولكن هل إسرائيل تتصرّف بعقلانية ومنطق منذ حرب غزة؟ هل ستَعتبر حرب لبنان وجودية؟
يبقى الجواب بما ستحمله الأسابيع المقبلة.