لماذا قُصفت بعلبك؟
تشهد الجبهة في جنوب لبنان إرتقاءً مدروساً في نسق العمل العسكري. ويتوقع أن يستمر الأداء الحالي وأن يحكم الفترة المقبلة. وفي مقابل رغبة بعض قادة العدو توسيع رقعة الحرب، يسبقهم الحزب إلى التوسيع، لكن على نمط زيادة الإستهدافات كمّاً ونوعاً وتكريس المزيد من قدرة الردع.
ترد المقاومة على وزير الدفاع الإسرائيلي يؤاف غالانت بأن “تل أبيب لن تعترف بهدنة على جبهة لبنان في حال تمَّ التوصل إلى هدنة في قطاع غزة إنما ستستمر بعملها العسكري”، من خلال مبادرتها إلى زيادة رقعة العمليات وحجمها ونطاقها الجغرافي. وفي هذا المجال، تكشف المعلومات عن “رسائل” وردت أخيراً من دمشق إلى الضاحية تعطي انطباعاً حول ما يطمح العدو إلى القيام به. لذا، تفضل دمشق التعاطي حالياً وفق قاعدة “التصعيد التكتيكي” الذي يمثل قدرةً على ردع العدو، والمحافظة على هذا النسق لأطول فترة ممكنة لأنه يقطع الطريق على الخطط الإسرائيلية. من المفيد التذكير بأن وزير الخارجية الإيراني حسين عبد اللهيان، سبق له أن حذر من أمر مماثل خلال زيارته بيروت. ما يأتي من العاصمة السورية لا يمكن تجاهله لا سيّما وأنه لا يخرج من دون تنسيق مع الجانبين الروسي والإيراني.
في الوقت الراهن، تشكل المقاومة تفوقاً لكونها المبادرة إلى الفعل فيما العدو ينحصر دوره في ردّ الفعل. ومنذ الأمس تتعمّد استهداف نقاط غير مألوفة منذ بدء المعركة، كقاعدة “نفح” في الجولان المحتل (تبعد حوالي 20 كلم) و مقر قيادة الفرقة 146 في جعتون (تبعد حوالي 15 كلم) بكميات كبيرة من الصواريخ. من جهة ثانية، تتعمد المقاومة إبراز صنوفٍ جديدة من الأسلحة، وتجد مصلحةً في “الإستعراض النفسي”، عبر إبراز عناصر والدخول في تفاصيل أسلحة استخدمتها وأخرى في طور الإستخدام، وهي تهدف إلى زيادة منسوب الضغط على العدو. وهنا تظهر قيمة وأهداف الوثائقي الذي يُعرض الآن على قناة “الميادين” تحت عنوان “رماة ماهرون”، كأحد عناصر إبراز القدرات الموجّهة إلى الداخل الإسرائيلي، ويتولى من خلال قادة في المقاومة كشف تفاصيل عن مجموعة أسلحة استخدمتها المقاومة ويعمد العدو إلى إخفاء أي معلومات حولها عن جنوده. وبعيداً عن مدى أهمية العرض خلال الحرب، تريد المقاومة إبراز دور هذه الأسلحة في الوظيفة التدميرية المضادة فضلاً عن تأكيد “يدها العليا”، والأهمّ، إبراز نوع مختلف من القوّة المتمثلة في تثبيت دعائم الردع.
وطوال 5 أشهر من القتال ما تزال المقاومة هي من يفرض النسق التكتيكي على المعركة. فكلما زادت من وتيرة الإستهداف رداً على فعلٍ إسرائيلي ذهب الأخير إلى نسق موازٍ ضمن أكثر من مدى جغرافي، سرعان ما يرتدع ويعود إلى القواعد المتبعة ذاتها.
ولا بدّ من الإشارة إلى أن تدمير المنازل في القرى الجنوبية أصبح له ما يوازيه فعلاً من خلال قدرة المقاومة على اختراق وتدمير البيوت داخل المستعمرات ولمسافات بعيدة. في هذه الجزئية لا يصبح ثمة معنى لاتساع رقعة قصف العدو، طالما أن ما يُفهم منه هو محاولة فراره إلى مناطق أخرى لتأكيد أن “يده عالية وقادر على “تطويع” المقاومة!
الأساس في كل المسألة يبقى أن المقاومة قادرة على إلحاق الدمار في المستعمرات، ما ينطوي على تأثيرات كبرى تمسّ سكانها النازحين وتعطي دليلاً عن عجز “الجيش” عن ردع هذه الظاهرة. المستوطنون الذين ربطوا عودتهم بتحقيق الأمن، أصبحوا على يقين شبه تام أن أحداً لن يحميهم سوى تأمين “دولتهم” مجموعة التزامات تخدم المقاومة! وقد باتوا يميلون نحو الإعتقاد بأنها الطريقة الوحيدة لـ”كبح المقاوم”، لا أن تقدم الأخيرة كما يُطلب منها، التي هي الآن، وعلى ما تنصّ محاضر النقاشات، ليست في وارد التقديم.
أمّا الأمر الأهمّ التي ذهبت إليه المقاومة، أنها أكدت من خلال نسقها العسكري الحالي، أنها غير معنيّة بأي ترتيبات عسكرية حدودية يجري الحديث حولها. فعندما بدأ الإسرائيلي من خلال الموفدين الغربيين نغمة إرجاع الحزب عن الحدود مسافة تبلغ حوالي 8 و 10 لإحباط قدرة سلاح ضد الدروع لديه (وهو ما كان “ليبانون ديبايت أول ما أشار إليه بمقال للكاتب)، تعاطى مع الطلب ليس فقط من خلال زيادة رقعة استهدافاته عند الحدود، بل وزادَ من نوعيتها من خلال إدخال نمط السلاح الكاسر للتحصينات والمنازل، المصنّف ضمن الطرازات الدقيقة، وبدأ سلسلة من تدمير البيوت في المستعمرات رداً على قيام إسرائيل بتدمير المنازل جنوب لبنان، ما أعطى صورةً أن “حزب الله” يردّ على التهديدات والوساطات بتكثيف عمله العسكري لا التقليل منها، وثبت أن لا نية لديه للتراجع. الشيء المهم والذي ألحق ضرراً بإسرائيل، تأكيد فشل ما سُمّي “المعركة بين الحروب” التي اتخذت من سوريا ميداناً، بدليل ما كشفته قدرات الحزب لغاية اليوم.
الإرتقاء إذاً وبلوغه نقطة إسقاط مسيّرة من طراز “هيرمس 450 – زيك” لا يرتبط فقط بما نتج عنه من مخاطر حول حرية حركة العدو في أجواء لبنان، إنما ارتبطَ بمسار تصاعدي يعتمده الحزب، ويتصل أولاً بجرأة اتخاذ قرار الإستهداف، وثانياً تحديد طبيعة ونوعية المستهدف، ضمن مستوى مسيّرات شكلت عنصراً مهماً في المعركة ووظفت في مسار تنفيذ الإغتيالات ومراقبة الأهداف الهامة. لذا، كان لا بدّ للعدو من أن يذهب بعيداً. وطالما أن الحزب استهدف عمقه المتمثل في السيطرة الجوية وقدراته التكتيكية، كان الردّ الطبيعي بالنسبة إليه، التعامل في السياق نفسه عبر ضرب عمق الحزب المتمثل في بعلبك.
“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح