حزب الله “حاضر لانتخاب رئيس غدًا”.. ماذا يعني هذا الكلام؟!
منذ بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وفتح “جبهة لبنان” بالتوازي، يتصاعد الحديث عن “ربط” الانتخابات الرئاسية بنتائج هذه الحرب، حيث يقول خصوم “حزب الله” إنّ الأخير يراهن على أن ترفع مخرجات الحرب من حظوظ مرشحه للرئاسة، رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، بل يذهبون لحدّ القول إنّه يصرّ على الخروج “منتصرًا” من المعركة، من أجل “فرض” فرنجية رئيسًا للجمهورية، بقوّة الأمر الواقع.
ومع أنّ “حزب الله” لم يدخل في هذا السجال، متفرّغًا للمعارك الدائرة في الجنوب مع العدو الإسرائيلي، والتي يضعها في خانة “التضامن حصرًا” مع الشعب الفلسطيني الذي يتعرّض لحرب وحشية في قطاع غزة، فإنّ بعض المواقف بدأت تظهر في الآونة الأخيرة، خصوصًا بعد خطاب الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله الذي نفى فيه كل ما يُحكى عن رهانات، جازمًا أنّ الحزب لا يستخدم سلاحه لتغيير المعادلات السياسية في الداخل.
وما لم يقله السيد نصر الله قاله نائبه الشيخ نعيم قاسم قبل أيام، حين أعلن أنّ “حزب الله” حاضر لانتخاب الرئيس غدًا، “إذا حصل الاتفاق”، وذلك “على الرغم ممّا يحصل من عدوان، وعلى الرغم ممّا هو موجود في جبهة الجنوب”، فما الذي يعنيه هذا الكلام عمليًا؟ هل من شأنه تسهيل انتخاب الرئيس، من دون انتظار نتائج الحرب الإسرائيلية؟ وكيف تتلقّفه القوى السياسية، خصوصًا على ضفة خصوم “حزب الله”؟!
أزمة الرئاسة وحرب غزة
ليس خافيًا على أحد أنّ بعض الأوساط السياسية، بما فيها تلك القريبة من “حزب الله”، لم تتردّد في ربط أيّ “انفراج” على خطّ انتخابات الرئاسة بالحرب الإسرائيلية على غزة، منذ اليوم الأول لنشوبها، حتى إنّ هناك بين المتحمّسين لرئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية من يصرّح علنًا بأنّ حظوظ الأخير التي تبدو “منخفضة” اليوم، في ظلّ عدم قدرته على الحصول على أغلبية مؤيدة لترشيحه، سترتفع تلقائيًا بمجرد انتهاء الحرب، وانتصار محور المقاومة.
لكنّ المطّلعين على أجواء “حزب الله” يقولون إنّ الأخير ليس المسؤول عن هذا “الربط”، فهو لم يُدلِ بأيّ تصريح يمكن أن يُفهَم منه أنّ الانتخابات الرئاسية “مجمّدة” بانتظار انتهاء الحرب، أو تحقيق الانتصار، بل إنّ قوى سياسية أخرى هي التي ألمحت لمثل هذا الأمر في محطّاتٍ عدّة، سواء من باب المعلومات أو التحليل، كما أنّ المجتمع الدولي انخرط بشكل أو بآخر في هذه السياسة، حين حاول الحديث عن “مقايضة” بين ملفّي الرئاسة والأمن.
أكثر من ذلك، يشدّد العارفون على أنّ الربط بين الحرب الإسرائيلية واستحقاق الرئاسة، قد لا يكون سوى حلقة من مسلسل “الربط” بين الاستحقاقات الداخلية وكلّ ما يحصل في المحيط والإقليم، وهو ما اعتاد عليه اللبنانيون أساسًا على مرّ السنوات، علمًا أنّ خير دليل على ذلك أنّ أزمة الرئاسة سابقة لحرب غزة بنحو عام كامل، وبالتالي فمن غير الواقعي ولا المنطقي القول إنّ هذه الحرب هي “سبب” الجمود الذي يتخبّط به الملف بشكل أو بآخر.
موقف “حزب الله”
من هنا، يعتبر العارفون أنّ المواقف الأخيرة لـ”حزب الله”، والتي جاءت على لسان أمينه العام السيد حسن نصر الله، ومن ثمّ نائبه الشيخ نعيم قاسم، تأتي لتردّ على الأقاويل التي لا تعكس الواقع، حول انتظار الحزب لنتائج الحرب، في حين أنّ موقف الحزب لم يتغيّر منذ اليوم الأول، وهو بقدر ما يتمسّك بمرشّحه المُعلَن للرئاسة، يؤكد دومًا أنّه جاهز للحوار والتفاهم، في حين أنّ القوى السياسية الأخرى هي التي تعطّل هذا المسار منذ البداية.
وإذا كان “حزب الله” يشدّد بحسب العارفين بأدبيّاته، على أنّ الطريق الوحيد لإنجاز الملف الرئاسي يكمن في الذهاب إلى حوار من دون شروط مسبقة، فإنّ خصومه لا يجدون تغييرًا “نوعيًا” في موقفه، بحسب ما تقول أوساطهم، حيث تعتبر أنّ “حزب الله” يشترط انتخاب الرئيس “غدًا” بالاتفاق، وما يقصده ليس سوى الاتفاق على انتخاب مرشحه رئيسًا للجمهورية، وفي حال حصول هذا الاتفاق، فهو لن يجد ضرورة لانتظار انتهاء الحرب لفرضه بطبيعة الحال.
برأي خصوم “حزب الله”، فإنّ المشكلة في “منطق” الحزب تكمن في أنّ انتخاب الرئيس المشروط الذي يدعو إليه “غدًا”، كان يجب أن يحصل منذ نحو عام وأربعة أشهر، لكنّه من عطّله حين رفع عمليًا شعار “فرنجية أو لا أحد” عبر تطيير نصاب الجلسات، والحديث عن حوار يتوخّى منه إقناع الآخرين بمرشحه حصرًا، في حين كان الأوْلى به الذهاب إلى جلسات انتخابية متتالية، والخضوع لمبدأ “اللعبة الديمقراطية” وأصولها المعروفة.
في النتيجة، يبدو أنّ المراوحة ستبقى عنوان الاستحقاق الرئاسي حتى إشعار آخر. فـ”حزب الله” بمواقفه الأخيرة لم يقل جديدًا “نوعيًا”، ولو أنّه نفى عن نفسه تهمة “المقايضة”، أو “الربط”، ورماها في ملعب الآخرين، الذين بدورهم لم يبدوا أيّ مرونة لتغيير موقفهم، خصوصًا من الحوار الذي يتمسّكون برفضه، عبر التشكيك بالنوايا المبطنة خلفه، ليبقى الثابت أنّ اللبنانيين وحدهم من يتحمّلون مسؤولية المماطلة، بمعزل عن كلّ ما يحصل من حولنا!
المصدر: “لبنان 24”